الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك السلطان ملكشاه ما وراء النهر

في هذه السنة ملك السلطان ملكشاه ما وراء النهر .

وسبب ذلك أن سمرقند كان قد ملكها أحمد خان بن خضر خان ، أخوه شمس [ ص: 325 ] الملك الذي كان قبله ، وهو ابن أخي تركان خاتون ، زوجة السلطان ملكشاه ، وكان صبيا ظالما ، قبيح السيرة ، يكثر مصادرة الرعية ، فنفروا منه وكتبوا إلى السلطان سرا يستغيثون به ، ويسألونه القدوم عليهم ليملك بلادهم ، وحضر الفقيه أبو طاهر بن علك الشافعي عند السلطان شاكيا ، وكان يخاف من أحمد خان لكثرة ماله ، فأظهر السفر للتجارة والحج ، فاجتمع بالسلطان ، وشكا إليه ، وأطمعه في البلاد . فتحركت دواعي السلطان إلى ملكها ، فسار من أصبهان .

وكان قد وصل إليه ، وهو فيها ، رسول ملك الروم ، ومعه الخراج المقرر عليه ، فأخذه نظام الملك معهم إلى ما وراء النهر ، وحضر فتح البلاد ، فلما وصل إلى كاشغر أذن له نظام الملك في العود إلى بلاده ، وقال : أحب أن يذكر عنا في التواريخ ( أن ملك الروم ) حمل الجزية وأوصلها إلى باب كاشغر لينهي إلى صاحبه سعة ملك السلطان ليعظم خوفه منه ، ولا يحدث نفسه بخلاف الطاعة . وهذا يدل على همة عالية تعلو على العيوق .

ولما سار السلطان من أصبهان إلى خراسان جمع العساكر من البلاد جميعها ، فعبر النهر بجيوش لا يحصرها ديوان ، ولا تدخل تحت الإحصاء ، فلما قطع النهر قصد بخارى ، وأخذ ما على طريقه ، ثم سار إليها وملكها وما جاورها من البلاد ، وقصد سمرقند ونازلها ، وكانت الملطفات قد قدمها إلى أهل البلد يعدهم النصر ، والخلاص مما هم فيه من الظلم ، وحصر البلد ، وضيق عليه وأعانه أهل البلد بالإقامات ، وفرق أحمد خان ، صاحب سمرقند ، أبراج السور على الأمراء ومن يثق به من أهل البلد ، وسلم برجا يقال له برج العيار إلى رجل علوي كان مختصا به ، فنصح في القتال .

فاتفق أن ولدا لهذا العلوي أخذ أسيرا ببخارى ، فهدد الأب بقتله ، فتراخى عن [ ص: 326 ] القتال ، فسهل الأمر على السلطان ملكشاه ، ورمى من السور عدة ثلم بالمنجنيقات ، وأخذ ذلك البرج ، فلما صعد عسكر السلطان إلى السور هرب أحمد خان ، واختفى في بيوت بعض العامة فغمز عليه وأخذ وحمل إلى السلطان ، وفي رقبته حبل ، فأكرمه السلطان ، وأطلقه وأرسله إلى أصبهان ، ومعه من يحفظه ، ورتب بسمرقند الأمير العميد أبا طاهر عميد خوارزم .

وسار السلطان قاصدا إلى كاشغر ، فبلغ إلى يوزكند ، وهو بلد يجري على بابه نهر ، وأرسل منها رسلا إلى ملك كاشغر يأمره بإقامة الخطبة ، وضرب السكة باسمه ، ويتوعده إن خالف بالمسير إليه . ففعل ذلك وأطاع ، وحضر عند السلطان ، فأكرمه وعظمه ، وتابع الإنعام عليه ، وأعاده إلى بلده .

ورجع السلطان إلى خراسان ، فلما أبعد عن سمرقند لم يتفق أهلها وعسكرها المعروفون بالجكلية مع العميد أبي طاهر ، نائب السلطان عندهم ، حتى كادوا يثبون عليه ، فاحتال حتى خرج من عندهم ، ومضى إلى خوارزم .

التالي السابق


الخدمات العلمية