الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            14335 وعن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لما توفي أبو بكر سجي بثوب فارتجت المدينة بالبكاء ، ودهش كيوم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء علي بن أبي طالب مسرعا مسترجعا ، وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبوة ، حتى وقف على باب البيت الذي هو فيه أبو بكر فقال : رحمك الله يا أبا بكر ; كنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم غناء ، وأحوطهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحدبهم على الإسلام ، وآمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صحبة ، وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأقربهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا ، وأوثقهم عنده ، وأشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه منزلة ; فجزاك الله عن الإسلام ، وعن رسوله ، وعن المسلمين ، خيرا صدقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كذبه الناس ; فسماك الله في كتابه : صديقا ، فقال : والذي جاء بالصدق محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدق به أبو بكر ، آسيته حين بخلوا ، وقمت معه حين عنه قعدوا ، وصحبته في الشدة أكرم [ ص: 48 ] الصحبة ، والمنزل عليه السكينة ، رفيقه في الهجرة ومواطن الكربة ، خلفته في أمته بأحسن الخلافة حين ارتدت الناس فقمت بدين الله قياما لم يقمه خليفة نبي قط ، فوثبت حين ضعف أصحابك ، ونهضت حين وهنوا ، ولزمت منهاج رسوله برغم المنافقين وغيظ الكافرين ، فقمت بالأمر حين فشلوا ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا . كنت أعلاهم فوقا ، وأقلهم كلاما ، وأصوبهم منطقا ، وأطولهم صمتا ، وأبلغهم قولا ، وكنت أكثرهم رأيا وأشجعهم قلبا ، وأشدهم يقينا ، وأحسنهم عملا ، وأعرفهم بالأمور . كنت للدين يعسوبا ، وكنت للمؤمنين أبا رحيما ; إذ صاروا عليك عيالا فحملت أثقال ما عنه ضعفوا ، وحفظت ما أضاعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وصبرت إذ جزعوا ، فأدركت آثار ما طلبوا ، ونالوا بك ما لم يحتسبوا . كنت على الكافرين عذابا صبا ، وللمسلمين غيثا وخصبا ، فطرت بغناها وفزت بحياها ، وذهبت بفضائلها ، وأحرزت سوابقها ، لم تفلل حجتك ، ولم يزغ قلبك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك . كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف . كنت كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمن الناس عليه بصحبتك وذات يدك . وكما قال : " ضعيفا في بدنك ، قويا في أمر الله " . متواضعا عظيما عند المسلمين ، جليلا في الأرض ، لم يكن لأحد فيك مهمز ، ولا لقائل فيك مغمز ، ولا فيك مطمع ، ولا عندك هوادة لأحد ، الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ له بحقه ، والقوي العزيز عندك ذليل حتى يؤخذ منه الحق ، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء . شأنك الحق والصدق ، والرفق قولك . فأقلعت وقد نهج السبيل ، واعتدل بك الدين ، وقوي الإيمان ، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون ، فسبقت والله سبقا بعيدا ، وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا . وفزت بالجنة ، وعظمت رزيتك في السماء ، وهدت مصيبتك الأنام - فإنا لله وإنا إليه راجعون . رضينا عن الله قضاءه ، وسلمنا لله أمره ، فلن يصاب المسلمون بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثلك أبدا . كنت للدين عدة وكهفا ، وللمسلمين حصنا وفيئة وأنسا ، وعلى المنافقين غلظة وغيظا ، فألحقك الله بنبيه ، ولا حرمنا الله أجرك ، ولا أضلنا بعدك .

                                                                                            قال : وسكت الناس حتى قضى كلامه . ثم بكى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : صدقت يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم .

                                                                                            رواه البزار ، وفيه عمر بن إبراهيم الهاشمي الكردي ، وهو كذاب .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية