الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            14547 وعن عبد الملك بن عمير : أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام استأذن على الحجاج بن يوسف فأذن له ، فدخل وسلم ، وأمر برجلين مما يلي السرير أن يوسعا له ، فأوسعا له فجلس ، فقال له الحجاج : لله أبوك ! أتعلم حديثا حدثه أبوك عبد الملك بن مروان عن جدك عبد الله بن سلام ؟ قال : فأي حديث - رحمك الله - قرب حديث قال : حديث المصريين حين حصروا عثمان . قال : قد علمت ذلك الحديث .

                                                                                            أقبل عبد الله بن سلام وعثمان محصور ، فانطلق فدخل عليه ، فوسعوا له حتى دخل ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : وعليك السلام ، ما جاء بك يا عبد الله بن سلام ؟ قال : قد جئت لأثبت حتى أستشهد أو يفتح الله لك ، ولا أرى هؤلاء القوم إلا قاتلوك ; فإن يقتلوك فذاك خير لك وشر لهم . فقال عثمان : أسألك بالذي لي عليك من الحق لما خرجت إليهم ، خير يسوقه الله بك ، وشر يدفعه بك الله . فسمع وأطاع ، فخرج عليهم فلما رأوه اجتمعوا ، وظنوا أنه قد جاءهم ببعض ما يسرون به ، فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن الله - عز وجل - بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بشيرا ونذيرا ; يبشر بالجنة من أطاعه وينذر بالنار من عصاه ، وأظهر من اتبعه على الدين كله ولو كره المشركون ، ثم اختار له المشركون . ثم اختار له المساكن ; فاختار له المدينة فجعلها دار الهجرة وجعلها دار الإيمان ، فوالله ما زالت الملائكة حافين بالمدينة مذ قدمها رسول الله [ ص: 93 ] - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم ، وما زال سيف الله مغمودا عنكم مذ قدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم .

                                                                                            ثم قال : إن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق ; فمن اهتدى فإنما يهتدي بهدى الله ، ومن ضل فإنما يضل بعد البيان والحجة ، وإنه لم يقتل نبي فيما مضى إلا قتل به سبعون ألف مقاتل كلهم يقتل به ، ولا قتل خليفة قط إلا قتل به خمسة وثلاثون ألف مقاتل كلهم يقتل به ، فلا تعجلوا على هذا الشيخ بقتل ; فوالله لا يقتله رجل منكم إلا لقي الله يوم القيامة ويده مقطوعة مشلولة ، واعلموا أنه ليس لولد على والد حق إلا ولهذا الشيخ عليكم مثله .

                                                                                            قال : فقالوا : كذبت اليهود ، كذبت اليهود . فقال : كذبتم والله وأنتم آثمون ما أنا بيهودي ، وإني لأحد المسلمين يعلم الله بذلك ورسوله والمؤمنون ، وقد أنزل الله في القرآن : ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) ، وقد أنزل الآية الأخرى : ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ) . قال : فقاموا ، فدخلوا على عثمان فذبحوه كما يذبح الحلان .

                                                                                            قال شعيب : فقلت لعبد الملك بن عمير : ما الحلان ؟ قال : الحمل .

                                                                                            قال : وقد قال عثمان لكثير بن الصلت : يا كثير ، أنا والله مقتول غدا قال : بل يعلي الله كعبك ، ويكبت عدوك . قال : ثم أعادها الثالثة فقال مثل ذلك قال : ثم يقول يا أمير المؤمنين قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعمر ، فقال لي : " يا عثمان ، أنت عندنا غدا ، وأنت مقتول غدا " . فأنا والله مقتول قال : فقتل ، فخرج عبد الله بن سلام إلى القوم قبل أن يتفرقوا ، فقال : يا أهل مصر ، يا قتلة عثمان ، قتلتم أمير المؤمنين ; أما والله لا يزال عهد منكوث ، ودم مسفوح ، ومال مقسوم لا سقيتم .

                                                                                            رواه الطبراني ، ورجاله ثقات .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية