قد حللتِ حين وضعت حملك

1 1649

عن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدرا، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح، إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: "فلما قال لي ذلك، جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي" متفق عليه.

غريب الحديث

فلم تنشب: أي لم تمكث كثيرا حتى وضعت حملها.

تعلت من نفاسها: أي سلمت وطهرت من الدم الذي يعقب الولادة.

شرح الحديث

هذا الحديث المتفق على صحته عمدة في باب عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، وسبب وروده كما في الصحيحين أنه لما توفي سعد بن خولة رضي الله عنه عن زوجته سبيعة الأسلمية كانت حاملا، فلم تمكث طويلا -بضعا وعشرين ليلة أو ربما خمس عشرة ليلة في بعض الروايات- حتى وضعت حملها.

فلما طهرت من نفاسها -وكانت تعلم أنها بوضع حملها قد خرجت من عدتها وحلت للأزواج- تجملت للخطاب، أي تركت عادة المعتدة في ترك الزينة في اللباس كلبس الحرير وغيره من الأشياء التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم المعتدة عنها.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "فيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها، لأن في رواية الزهري التي في المغازي فقال: ما لي أراك تجملت للخطاب، وفي رواية ابن إسحاق: فتهيأت للنكاح واختضبت، وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد: فلقيها أبو السنابل وقد اكتحلت، وفي رواية الأسود: فتطيبت وتصنعت".

فدخل عليها أبو السنابل وهو رجل من بني عبد الدار وهى متجملة، فعرف أنها متهيئة للخطاب، فأقسم -على غلبة ظنه- أنه لا يحل لها النكاح حتى يمر عليها أربعة أشهر وعشر، أخذا بقول الله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة: 234)، وكانت سبيعة الأسلمية غير متيقنة من صحة ما عندها من العلم، والداخل أكد الحكم بالقسم، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتاها بحلها للأزواج حين وضعت الحمل، فإن أحبت الزواج فلها ذلك، عملا بقول الله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (الطلاق: 4).

والحاصل أن الحامل المتوفى عنها زوجها عليها تنتهي عدتها بوضع حملها، سواء بقي من الحمل مدة أكثر من أربعة أشهر وعشر -وهي عدة غير الحامل- أم أقل من ذلك؛ وقد علم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن بعض الصحابة يجعلون عدتها أبعد الأجلين -الولادة أو الأربعة أشهر وعشرا-، فقال: "أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة؟" أي طول العدة بالحمل إذا زادت مدته على مدة الأشهر، فإذا جعلتم التغليظ عليها فاجعلوا لها الرخصة، أي التسهيل إذا وضعت لأقل من أربعة أشهر.

وأما قول الله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة: 234)، فإنه عام في كل من مات عنها زوجها، يشمل الحامل وغيرها، وآية سورة الطلاق شاملة للمطلقة والمتوفى عنها زوجها، لكن حديث سبيعة الأسلمية نص بأنها تحل بوضع الحمل، فكان فيها بيان المراد بقوله: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} أنه حق من لم تضع، وآية الطلاق نزلت بعد آية البقرة فكانت مخصصة لها، حيث أخرجت منها بعض متناولاتها.

يقول الإمام ابن عبد البر: "لولا حديث سبيعة لكان القول ما قال علي وابن عباس أنهما عدتان مجتمعان بصفتين، وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها، فلا تخرج من عدتها إلا بيقين واليقين آخر الأجلين".

وانتهاء عدة الحامل بوضع حملها تستوي فيه المتوفى عنها زوجها والمطلقة، ويدل على ذلك -غير ما سبق ذكره- ما أخرجه الإمام ابن ماجه في سننه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه كانت تحته أم كلثوم بنت عقبة، فقالت له وهي حامل: طيب نفسي بتطليقة، فطلقها تطليقة ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعت، فقال: ما لها خدعتني خدعها الله، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: (سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة