اعرضوا عليّ رُقاكم

6 2138

كانت الرقية في الجاهلية يكتنفها كثير من الشرك والشعوذة والاستعانة بغير الله تعالى، فلما جاء الإسلام نقل الناس من الكفر والشرك وعبادة الأوثان والأصنام إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وحرم على أتباعه الاستعانة بالجن والشياطين والاستعاذة بهم، وأمرهم بالاستعانة بالله وحده والاستعاذة به من شر الشياطين ومن شر ما خلق أجمعين، وتبعا لذلك فقد أقر من الرقية ما كان خاليا من الشرك والاستعانة بغير الله، وحرم ما سواها.

فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك) رواه مسلم.

غريب الحديث

الرقية لفظ عام يقصد به ما يلتجئ ويعتصم به الإنسان من السوء من غير الوسائل الطبية, ومعناها: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات.

سبب الحديث وشرحه

يروي لنا الصحابي الجليل عوف بن مالك رضي الله عنه حال الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالرقية فقال: "كنا نرقي في الجاهلية": كانت الرقى في الجاهلية أكثر وسائل المعالجة الروحية انتشارا، حيث استعملها الرقاة في مدواة اللديغ والمصاب بالعين أو السحر وغير ذلك، ولم يكن الرقاة من السحرة والعرافين فحسب، بل كانوا من غيرهم، فقد اشتهرت أسرة في يثرب بالمعالجة بالرقى من ذوات السموم من حيات وعقارب، وهي أسرة حزم من بني النجار، فلما آمنت تلك الأسرة بالنبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه تلك الرقية، فلم يجد فيها ما يستوجب تحريمها فأجازها.

يقول عوف بن مالك رضي الله عنه -وكان من مسلمة الفتح- "قلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟": هذا تساؤل عن مدى مخالفة الرقية لشريعتنا، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث آخر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى, فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب, قال: فعرضوا عليه، فقال: (ما أرى بأسا, من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه) رواه مسلم.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم ردا على هذا التساؤل: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك): طلب أن يعرضوا عليه الرقى لخوفه من أن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية، لأن الرقية نوع من أنواع الدعاء "دعاء المسألة"، حيث يطلب المريض بها من الله تعالى أن يشفيه ويذهب العلة والمرض عنه؛ ولذا لا بد من توفر ثلاثة شروط في الرقية حتى تكون شرعية:

1- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته أو بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره.
3- أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها.

أنواع الرقى

يقول الإمام القرطبي رحمه الله مبينا أنواع الرقى: "الرقى ثلاثة أقسام: أحدها: ما كان يرقى به في الجاهلية مما لا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدي إلى الشرك، الثاني: ما كان بكلام الله أو بأسمائه فيجوز, فإن كان مأثورا فيستحب، الثالث: ما كان بأسماء غير الله من ملك أو صالح أو معظم من المخلوقات كالعرش، فهذا ليس من الواجب اجتنابه ولا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى, إلا أن يتضمن تعظيم المرقي به فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير الله تعالى".

نماذج من الرقى المشروعة

- الرقية بفاتحة الكتاب (أم القرآن): عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا، فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحك وقال: (وما أدراك أنها رقية؟ خذوها، واضربوا لي بسهم) رواه البخاري.

- باسم الله أرقيك: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل عليه السلام، قال: "بسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين" رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا محمد اشتكيت؟ قال: (نعم)، قال: "باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك" رواه مسلم.

- أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر: عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) رواه مسلم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة