ثقافة الكراهية

0 1

لقد صار المسلمون في مرمى نيران العدو، واتهموا بتهم جزاف لا حقيقة لها، ومن هذه التهم أننا معاشر المسلمين نكره غيرنا، ونغذي العداوة بين بني البشر، يقولون: أنتم تقولون إن الإسلام دين الوئام، والسلام الاجتماعي، والمحبة، وجمع الناس على الحق، والخير.  ويسوقون التهم التي تصنع، وتخلق، في دوائر يعرفها الجميع، دوائر تغذيها صهيونية عالمية، وعلمانية مقيتة.

إنها التهم التي ينسج عليها الإعلام الغربي واليهودي، وهو الإعلام الذي يخطط ضد الإسلام تماما، وتضلل أباطيله ودعايته بعض المثقفين الذين يشتغلون في الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي والثقافي، ويتأثر بهذه الدعوى مشغلو مراكز الرأي العام التي توجه المجتمعات؛ وكلنا يعلم أن أغلب من يعمل في هذه المراكز حصيلته ومعلوماته عن الإسلام إنما يأخذها من وسائل إعلام غير محايدة، وتصنع نجوما وقادة للرأي وتعطيهم ألقابا فيصبح الواحد منهم وقد تسمى بالمفكر أو الكاتب أو الأديب، وهو صاحب بضاعة ومزجاة، نظرة مجتزأة.

والحق أنك عندما تقرأ آيات القرآن تجده يبث ثقافة المحبة، والمودة، فهو ناطق بأننا أكثر الناس حبا للخير، فرسولنا جاء رحمة العالمين: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وكان صلى الله عليه وسلم غاية في الحرص على الناس؛ لإنقاذهم من الضلالة للهدى، من دون تمييز بين بني آدم {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}

والواقع أن المسلمين هم الرحماء وهم دعاة السلم والوفاق، وأن العداوة تأتيهم من غيرهم، وهم لا يبدأون عداوة، ولا يفتعلون منكرا {هٓأنتم أولآء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بٱلكتب كلهۦ وإذا لقوكم قالوٓا ءامنا وإذا خلوا عضوا عليكم ٱلأنامل من ٱلغيظ}[آل عمران:119]. {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا}[النساء:89].

إن الإسلام فعلا يقطع ما بين الإيمان والكفر بخطوط فاصلة، فالإسلام يرى أن المؤمن استجاب لله فلا يمكن أن يسوي بغيره، ولكن الإسلام لا يجعل من هذه المسألة مسألة كراهية عاطفية، أو كراهية مزاج، ولكنه يجعلها كراهية اعتقاد.
يقول الشيخ حازم أبو إسماعيل"كراهية الاعتقاد هي أن أعرف أين الحق وأدركه، وأسير عليه، وأحب أهل الحق، وأكره أهل الباطل.. ولذلك تجد القرآن يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم}[آل عمران:118]، إياكم أن تجعلوا من حولكم بطانة، لا تجعلوا المساعدين والمستشارين هيئة تعاونكم من دونكم، أي من غير المسلمين، فيقولون: هذه هي ثقافة الكراهية، نقول لهم: اقرأوا بقية الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا}، لا يقصرون في أن يصيبكم الخبال، والإفساد والإضرار".
فالعلة ظاهرة في تقديمك للمسلم على غيره وقربك منه، لأنه يحب الإصلاح، ويميل مع الحق حيث كان، قواما بالقسط، مراقبا ربه، خاضعا لشريعته، وغير المسلم تبع لهواه، يقوده شيطانه ويستحوذ على مواقفه ، وقراراته.

ومع ذلك أهل الإسلام أهل بر وإحسان حتى لمن لم يكن منهم، كيف لا؟ وأنت تجد في محكم التنزيل قول ربنا سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}[الممتحنة:8]، فأي عدل فوق هذا العدل؟ لن تجد نصا في أي دين آخر قريبا من هذا النص القرآني، بل كتب الآخرين تدعو لاستئصال المخالف، والاجهاز عليه بالكلية. نحن حتى في ساحات الحرب عندما تفرض الحرب؛ رحماء لا نجهز على جريح، ولا نقتل أسيرا، ولا نفتك بصبي، ولا نقتل شيخا هرما، ولا امرأة ، ولا ناسكنا منقطعا في ديره.

إن الإسلام قد أمرنا أن نحترم الناس، ونحفظ لهم حقوقهم، قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}[التوبة:6].
والمسلم مأمور بأن يبلغ غيره مأمنه، وأن يتم له عهده إلى مدته، ويكون له في حالة العهد حقوق توفى ويحذر المسلم من تضيعها (من آذى ذميا أو انتقصه شيئا من حقه كنت خصمه يوم القيامة، ومن كنت خصمه خاصمته)(الطبراني) .. والقاعدة العامة أن الأقليات في بلاد المسلمين: لهم ما لنا، وعليهم ما علينا.

إنما يكون همنا تأمين الناس، ونشر العدل بينهم، ثم نعطيهم تمام الحرية ليختاروا: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}، فمن دخل في دين الله أصبح منا يسعى بذمتنا له ما لنا وعليه ما علينا، ومن اختار البقاء على نحلته، أصبح عندنا ذميا لا تختفر ذمته، ولا يروع عيشه، بل يبقى في أمان وسلام بين المسلمين.
وصدق شاعرنا حين قال:

ملكنا فكان العفو منا سجية     فلما ملكتم سال بالدم أبطح وحللتم قتل الأسارى وطالما     غدونا عن الأسرى نعف ونصفح فحسبكم هذا التفاوت بيننا     وكل إناء بالذي فيه ينضح

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة