
يُعتبر الشعر أحد أرقى وأجمل أشكال التعبير الفني، حيث يجسد مشاعر الإنسان وأفكاره بلغة تتجاوز حدود الكلمات، وقد قيل :"الشعر لغة الشعور"، ومن المؤكد أن الشعر تجاوز الكلمات العادية، لتكون حروفه ترياقاً يلامس الأعماق، ورموزه الجمالية، تشد القلوب، وتثير العواطف، بإبداع خيالي، وشعور يستفز العواطف ويأخذ بمجامع الأفئدة.
يقول الأديب خليل الخوري: " الشعر شعور لا كلام، والشاعر صاحب هذا الشعور يشعر بما لا يشعر به غيره، ويسمع ما لا يسمعه غيره، فعينه تخترق السحب، وتسرح في فضاء العوالم، وتأتي إليه بما لم يخطر على بال، وخاطره يفترع أبكار المعاني التي لم يسبقه إليها أحد، ووجدانه يختلف عن وجدان سائر الناس، والنظرة التي ينظر بها إلى العمران ليست كنظرة الناس، فكل نظم خالٍ من الخيال، ليس حقيقاً أن يدعى شعراً، ولا يمكن أن يعيش بعد صاحبه، وربما مات قبله، وكم من شعر نُظم، وكم من شاعر نظم، فوارتهما أيدي الزمان في مدافن النسيان".
ولذلك يجب أن ندرك أن الشعر ليس مجرد كلمات موزونة ومقفَّاة، بل هو تعبير عن أعماق النفس الإنسانية، وهو فن يختزل الفرح، والحزن، والأمل، والخيبة، ومع ذلك ابتذل البعض مفهوم الشعر، وأصبح يُعتبر مجرد حرفة يتقنها البعض من خلال تعلم العروض، والقوافي، دون أن تكون لهم سليقة شعرية، أو مقومات أدبية، أو موهبة ربانية، فيكتبون بآلية، محاولين استنساخ التجربة الشعرية دون أن يعيشوا لحظاتها، إنهم يشبهون منضدي الحروف في المطابع، حيث يفتقرون إلى الإبداع، والخيال الذي يميز الشعراء الحقيقيين.
وعندما نتحدث عن الشاعر نرى أنه يحمل شعورًا يتجاوز ما يشعر به الآخرون، ولديه القدرة على رؤية ما لا يراه الناس العاديون، وعنده استطاعة التعبير عن مشاعر داخلية عميقة ومركبة، فالشاعر يعبّر عن انفعالاته بطرق فريدة، ويُظهر لنا عوالم جديدة من خلال خياله، والشعر الذي يفتقر إلى الخيال لا يمكن أن يُعتبر شعرًا حقيقيًا، بل هو مجرد كلمات تُركب دون روح؛ لذا فإن الشاعر الحقيقي هو من يستطيع أن يعبّر عن مشاعره بأصالة وعمق.
يُعتبر الشعر تعبيرًا عن التجارب الإنسانية المشتركة، حيث يُظهر لنا كيف يمكن للكلمات أن تحمل مشاعر عميقة، وتحدث تواصلًا بين الأجيال.
إن الشاعر الحقيقي هو الذي يستطيع أن يبني جسرًا بين نفسه والآخرين، عبر كلمات تحمل معاني جميلة تلامس شغاف القلوب.
وعندما نتحدث عن الخيال في الشعر، نجد أنه عنصر أساسي، يقوم بتجسيد الانفعالات التي تطرأ على النفس، فالشاعر لا ينظم الشعر لمجرد المتعة أو التسلية، بل يعبر عن مشاعر داخلية قوية تستدعي التعبير عنها، إنه عمل ينبع من عمق النفس، ويجب أن يكون نابعا من رغبة حقيقية في التعبير عما يجول في الذهن والروح.
وللشعر أغراض ومضامين فهو يتناول فيما يتناول: النسيب، والمدح، والهجاء، والرثاء، والفخر، والحماسة، والوصف، والحكمة، والاعتذار.. إلــخ.
والشعر يحمل هم الناس في كل القضايا: السياسية، والاجتماعية، والتاريخية، الحضارية، والقيمية وغير ذلك.
ويعد الشعر الرثائي، على سبيل المثال، تعبيرًا عن مشاعر الفقد، والحنين، بينما يأتي الشعر المديحي محملاً بالمبالغات والتكلف، خاصة إذا كان الهدف منه كسب المنافع المادية، أو الاجتماعية، وعلى الرغم من ذلك يبقى الشعر المديحي يحظى بشعبية في كبيرة في كل العصور لأن النفوس مجبولة على حب التفخيم، والعظمة ولكن يبقى الشعر الهجائي أكثر قربًا إلى الروح الشعرية الحقيقية، لأنه ينطلق من مشاعر حقيقية، وصادقة، كما يؤكد بعض النقاد.
إن الشعر تجربة فريدة تعكس عواطف الإنسان وأفكاره، وإليه تحن نفوس الناس، وتأنس به أرواحهم، ولا بد للإنسان من الحداء والتغني بالشعر؛ لأنه ليس مجرد كلمات تُركب، بل هو رحلة داخل النفس البشرية؛ ولذلك يجب أن يتعامل الشاعر مع الشعر كفن يتطلب منه أن يكون مخلصًا لمشاعره، وأن يعبّر عنها بطريقة تتجاوز الكلمات، كما أن الشعر يُعبر عن التجارب الإنسانية المشتركة، فهو يُظهر لنا كيف يمكن للّغة أن تحمل مشاعر عميقة وتُوجِد تواصلًا بين الناس.
وبما أن اللغة تشكل الوسيلة التي يُنقل بها خيال الشاعر إلى العالم الخارجي، فإنها يجب أن تكون واضحة، خالية من التعقيد والغموض، حتى يتمكن القارئ من فهم المعاني العميقة التي يحملها النص الشعري.
الكثير من الأعمال الشعرية قد طواها الزمن لمجرد أنها كُتبت بلغة ضعيفة، أو غير دقيقة، مما ساهم في ضياع جمالياتها؛ لذلك، يعد الاهتمام باللغة أساسيًا، حيث إن الشعر الذي يُكتب بلغة ركيكة سيكون عرضه للضياع سريعًا.
علاوة على ذلك، يرتبط الشعر ارتباطًا وثيقًا بالعواطف، فهو ينقل لنا مشاعر الفرح والتعاسة، الأمل واليأس، بل ويتجاوز ذلك ليعبر عن تجارب إنسانية عميقة.
ويؤكد النقاد أن الشعر الحي يتطلب أن يكون الشاعر مخلصًا لمشاعره، وأن يستمد إلهامه من خيال جامح، ومنطقي في آن، والشاعر المبدع هو ذلك الذي يستطيع أن يُظهر لنا العالم من منظور جديد، ويُعبّر عن الجوانب التي قد نغفل عنها في حياتنا اليومية.
وخلاصة القول: يُجمع أهل الثقافة والمعرفة على أن الشعر أداة قوية للتعبير عن التجارب الإنسانية، وأنه يعكس روح الإنسان، ويُظهر لنا كيف يمكن للكلمات أن تتجاوز حدود الفهم، لتحمل إلى القلوب معان عميقة، وهو ليس مجرد كلمات، بل هو رحلة من المشاعر والأفكار، ويجب أن نُعلي من شأن الشعراء الذين يعبّرون عن أعماق النفس البشرية، ويُثرون ثقافتنا ووجداننا بكلمات هي بلسم ودواء لمعاناتنا اليومية، وهم يزينون حياتنا بألوان من المشاعر والفكر، مما يجعلنا نعيد النظر في تجاربنا الخاصة، ونستعيد التواصل مع أنفسنا، ومع الآخرين.