- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:اقرأ في إسلام ويب
من جميل نعم الله على عباده أن تابع لهم بين مواسم الخير وأسباب الأجر، فما يكاد ينتهي موسم للعبادة حتى يتبعه موسم آخر، نفحة بعد نفحة، ليبقى الباب مفتوحا أمام المسلم ليفعل الخير ويكتسب الأجر، ويتعرض لنفحات رحمة الله تعالى، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده)رواه الطبراني.
ينتهي شهر رمضان وموسم الصيام والقيام، فتأتي أشهر الحج، وينتهي الحج فيتبعه شهر المحرم وما فيه من الخير والفضل.
فضائل المحرم
شهر المحرم هو الشهر الأول من السنة الهجرية، وهو أحد الأشهر الحرم الأربعة التي حرمها الله من بين أشهر السنة، والتي ذكرها سبحانه في قوله سبحانه: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ۚ ذلك الدين القيم ۚ فلا تظلموا فيهن أنفسكم}[التوبة:36].
وهذه الأشهر بينها النبي صلوات الله وسلامه عليه في خطبته في حجة الوداع في حديث أبي بكرة رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام: (الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض؛ السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)[متفق عليه].
وإنما نسب رجب لقبيلة مضر؛ لأنها كانت تعظمه أكثر من غيرها من بقية قبائل العرب، فأضيف إليهم.
قال سبحانه: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم}، فنهى عن ظلم النفس فيها، مع أن الظلم محرم في كل الأشهر وجميع الأوقات، إلا أنه أكد على النهي عنه في هذه الأشهر؛ لأن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما، وعظم ، وجعل الذنب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم".
وقد ورد في شهر المحرم من الفضائل ما رواه مسلم عن أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل).
فأضاف شهر المحرم إلى الله "شهر الله المحرم"، وهي إضافة تشريف وتكريم.. كبيت الله، وناقة الله.
ثم أخبر أن أفضل نوافل الصوم والتطوع المطلق ما كان في هذا الشهر المبارك، كما أن أفضل تطوع الصلاة ونافلتها ما كان في قيام الليل.. ولا يخفى ما في ذلك من دعوة لكثرة الصيام في المحرم، وكذلك الدعوة للاهتمام بقيام الليل {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون (16) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}[السجدة:16ـ17].
يوم عاشوراء
ومن أفضل أيام شهر المحرم "يوم عاشوراء"، وهو يوم العاشر منه، فقد شهد ملحمة عظيمة، وحدثا جليلا، وموقعة من مواقع الإيمان، حيث نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنده، كما في البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى منكم. فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه).
صومه يكفر السنة الماضية:
وقد سئل نبينا عليه الصلاة والسلام عن أجر الصيام في هذا اليوم "يوم عاشوراء"، فأخبر أنه يكفر ذنوب السنة الماضية.. ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة، قال صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله).وفيه أيضا عنه قال: (وسئل عن صوم يوم عاشوراء، فقال: يكفر السنة الماضية)[رواه مسلم]
ولما كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفة المشركين، ومخالفة اليهود خاصة، وأهل الكتاب عامة، فإنه نوى أن يصوم يوم التاسع مع العاشر مخالفة لهم. فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: (قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم).
مراتب صيام عاشوراء
يستحب للمسلم ان يصوم يوم عاشوراء ليكفر الله عنه ذنوب سنة مضت، ويضم إليه يوم التاسع لتتحقق له مخالفة اليهود .. وعلى هذا أكثر الأحاديث.. فإن فاته يوم التاسع صام اليوم الحادي عشر مع العاشر؛ ليجمع بين الأجر والمخالفة.. وذلك لما جاء في مسند الإمام أحمد، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا عاشوراء وصوموا يوما قبله أو يوما بعده).
وقد روى البيهقي في سننه بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوما أو بعده يوما). قال البيهقي: هذا لفظ حديث المقرئ، وفي رواية ابن عبدان: (صوموا قبله يوما، وبعده يوما). وبمعناه رواه ابن شهاب عن ابن أبي ليلى: (قبله وبعده). انتهى.
وقد استأنس بعض أهل العلم بهذه الأحاديث وذكروا أن مراتب صوم عاشوراء ثلاثة:
. أن يصومه ويصوم يوما قبله ويوما بعده وهذا أعلاها.
. أن يصومه ويصوم يوما قبله أو يوما بعده.
. أن يفرد العاشر بالصوم.
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: "فمراتب صومه ثلاثة: أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم، وإما إفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب".. انتهى.
عاشوراء ويوم السبت
إذا وافق يوم السبت يوما يستحب صيامه ـ كيوم عرفة وعاشوراء ـ فيجوز بلا كراهة في المذاهب الأربعة المشهورة، وعند جماهير أهل العلم..
وقد أجاب العلماء على حديث: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فليمضغه)[رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي]. فضعفه بعضهم، وأعلوه بالشذوذ، والاضطراب، ومخالفة النصوص الكثيرة الدالة على جواز صيام السبت وهو أقوى منه.
قالوا: وعلى فرض صحته فإنما يكره إذا أفرده بتطوع ونفل مطلق، فإن صام يوما قبله أو يوما بعده رفعت الكراهة، جمعا بين الأدلة، وكذلك إن وافق يوما يعتاده، كمن يصوم يوما ويفطر يوما، أو وافق يوم عرفة، أو عاشوراء فلا كراهة..
وعليه فلا حرج في صوم يوم السبت إذا وافق يوم عاشوراء.
لفتات وتنبيهات
وهنا لفتة جميلة وهي أن إهلاك الظالمين نعمة كبيرة يحتفى بها، فإن وجودهم مفسدة في البلاد، وظلم للعباد، ولذلك مدح الله نفسه على إهلاكهم وقطع دابرهم فقال: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا ۚ والحمد لله رب العالمين}[الأنعام:45].
ولفتة أخرى: وهي أن تخصيص يوم معين بصوم أو بعبادة من دون الأيام تحريا لفضله وطلبا لثواب محدد معين لا يكون إلا بدليل شرعي.
ولفتة ثالثة: هي أن المؤمنين أمة واحدة على مر الزمان، وأن بعضهم أولى ببعض، وأن أولى الناس بالأنبياء أتبعهم لهديهم وأكثرهم تصديقا لهم وسيرا على طريقهم؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لليهود: (نحن أحق وأولى بموسى منكم).
واللفتة الأخيرة: تكلم العلماء فيمن اتخذ يوم عاشوراء مأتما وملطما، ويوما لضرب الصدور، ولطم الخدود، وشج الرؤوس بالسيوف، وإراقة الدماء، وتعريض النفس لأسباب الأذى، واتفقوا على أن هذا بدعة ضلالة، كما أن اتخاذه عيدا كذلك..
وأما كونه قتل فيه الحسين رضي الله عنه.. فإن الإسلام لم يجعل من أيام موت الأنبياء والصالحين مأتما، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعل هذا الصحابة والتابعون، ومات أبو بكر وقتل عمر وقتل عثمان، وقتل علي فما جعل من يوم موتهم مناحة وملطما ومأتما.. رحم الله الحسين ورضي عنه، ورضي عن أبيه، وعن سائر الصحابة أجمعين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.