- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خطب الجمعة
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الآمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فتقوى الله طريق النجاة والسلامة، وسبيل الفوز والكرامة، بالتقوى تزداد النعم، وتتنزل البركات، وتصرف النقم، وتستدفع الآفات.
عباد الله: تأملوا في هذه الحياة، مدبر مقبلها، ومائل معتدلها، كثيرة عللها، إن أضحكت بزخرفها قليلا، فلقد أبكت بأكدارها طويلا.
تفكروا في حال من جمعها ثم منعها، انتقلت إلى غيره، وحمل إثمها ومغرمها، فيا لحسرة من فرط في جنب الله! ويا لندامة من اجترأ على محارم الله! كم من أقوام جاءتهم المواعظ فاستقلوها، وتوالت عليهم النصائح فرفضوها، توالت عليهم نعم الله فما شكـروها، ثـم جاءهم ريب المنون، فأصبحوا بأعمالـهم مرتـهنين، وعلى ما قدمت أيديهم نادمين: {أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} (الشعراء:205-207).
أيها المسلمون: ما حل بسالف الأمم من شديد العقوبات، وما أخذوا به من غير بفظيع المثلات، بسبب الإخلال بالتوحيد والإيمان، والإيغال في المخالفة والعصيان، وإيثار الشهوات، وغلبة الأهواء: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (الأعراف:96).
إن كل نقص يصيب الناس في علومهم وأعمالهم، وقلوبهم وأبدانهم، وتدبيرهم وأحوالهم، سببه الذنوب والمعاصي: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير} (الشورى:30) وقال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} (الروم:41).
إن ما تبتلى به الديار، من قلة الغيث، وغور الآبار، وما يصيب المواشي والزروع من نقص وأضرار، ليس ذلك -لعمر الله- من نقص في جود الباري جل شأنه وعظم فضله، كلا ثم كلا! ولكن سبب ذلك كله إضاعة أمر الله، والتقصير في جنب الله.
فالمعاصي تفسد الديار العامرة، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة، كيف يطمع العبد في الحصول من ربه على ما يحب، وهو مقصر فيما يجب، ذنوب ومخالفات إلى الله منها المشتكى، وإليه وحده المفر، وبه سبحانه المعتصم.
اضطراب عقدي، وتحلل فكري، وتدهور أخلاقي، جلبته الوسائل والقنوات والشبكات، ربا وزنا، وضعف في العفة والحشمة، فتن بألوانها وأوصافها، ألوان من الجرائم والفسوق والفجور والانحراف، بل إلحاد وكفريات، تظالم بين العباد، وأكل للحقوق، ونهب لأموال الناس بالباطل، كيف يرجى حصول الغيث وفي الناس مقيمون على الغش، ومصرون على الخيانات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد برئ من الغش والكذب، والمكاسب الخبيثة تستدرج صاحبها، حتى تمحقه محقا، وتنزع البركة منه نزعا.
نعم، لولا الذنوب وآثارها، والمظالم وشؤمها، لصبت السماء أمطارها، ولبادرت غيثها ومدرارها.
عباد الله: إن من البلاء ألا يحس المذنب بالعقوبة، وأشد منه أن يقع السرور بما هو بلاء وعقوبة، فيفرح بالمال الحرام، ويبتهج بالتمكن من الذنب، ويسر بالاستكثار من المعاصي، ألا ترون المجاهرة بالمعاصي وإعلانها؟! كيف ترجى السلامة والعافية مع المجاهرة؟! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة: أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان! قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيصبح يكشف ستر الله عليه) متفق عليه.
ومن المجاهرة: أن يذكر الماجن مجونه، وينشر الفاسق فسقه، ويتباهى العاصي بمعصيته.
إذا اشتدت ملابسة الذنوب للقلوب أفقدتها اليقظة والغيرة؛ فلا تستقبح قبيحا، ولا تنكر منكرا.
أيها المؤمنون: لقد فشا في كثير من المجتمعات الربا والزنا، وشربت الخمور والمسكرات، وأدمنت المخدرات، وكثر أكل الحرام، وتنوعت فيه الحيل، شهادات باطلة، وأيمان فاجرة، وخصومات ظالمة، فإلى متى الغفلة عن سنن الله؟! ونعوذ بالله من الأمن من مكر الله: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الأنفال:53).
عباد الله: إن ربكم يخوفكم بالآيات والنذر، والشدة والنكال، زلازل وبراكين، ورياح وأعاصير، وحروب وفيضانات، يصيب بها من يشاء، ويصرفها عمن يشاء، وهو شديد المحال.
فارجعوا إلى ربكم، وتوبوا إليه، واستغفروه، وأحسنوا الظن به، واجعلوا الرجاء في مولاكم نصب أعينكم، فربكم نعم المولى ونعم المرتجى، يغفر الذنوب، ويكشف الكروب، ولا يملأن قلوبكم اليأس من روح الله وفضله، فتظنون به ما لا يليق بجلاله، أليس هو الذي رزق الأجنة في بطون أمهاتها، رباها صغارا، وغمرها بفضله كبارا؟! تراكمت الكروب فكشفها، وحلت الجدوب فرفعها، أطعم وأسقى، وكفى وآوى، نعمه لا تحصى، وإحسانه لا يستقصى، كم قصدته النفوس بحوائجها فقضاها؟! وانطرحت بين يديه ففرج كربها وأرضاها؟! لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.
فراجعوا أنفسكم بالاعتراف بتقصيركم، وتوبوا إلى ربكم من جميع ذنوبكم، ووجهوا قلوبكم إلى من بيده خزائن الرحمة والأرزاق، وأملوا الفرج من الرحيم الخلاق، فأفضل العبادة انتظار الفرج، واحذروا اليأس والقنوط، واجتنبوا التسخط والضجر، توبوا إلى ربكم من ذنوب تمنع نزول الغيث، وأقلعوا عن مظالم تحجب أبواب البركة، تعطفوا على فقرائكم بالرحمة والإحسان، وأدوا الحقوق إلى أصحابها، وردوا المظالم إلى أهلها، قوموا بمسئولياتكم على وجهها، أحسنوا إلى الخدم والعاملين، واليتامى والمستضعفين، أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تأكلوا أجورهم ومرتباتهم، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وأصلحوا ذات بينكم، وأحسنوا تربية بناتكم وأبنائكم وبروا والديكم، وصلوا أرحامكم، أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، وتصدقوا من فضول أموالكم، واتقوا النار ولو بشق تمرة.
أقول ما سمعتم...وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم.
الخطبة الثانية
عباد الله: ها أنتم قد حضرتم بين يدي ربكم، تبسطون إليه حاجتكم، وتشكون جدب دياركم، وذلكم بلاء من ربكم، لعلكم إليه ترجعون، ومن ذنوبكم تستغفرون، فأقبلوا عليه وتقربوا بصالح الأعمال لديه، ابتهلوا وتضرعوا وادعوا واستغفروا، فقد ربط سبحانه في كتابه بين الاستغفار وحصول الغيث المدرار.
اقرءوا وصية نوح عليه السلام لقومه: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} (نوح:10-12). ووصية هود عليه السلام لقومه: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} (هود:52).
ولازموا الثناء على ربكم، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم، الهادي البشير، وإمام المتقين، فالدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأثر.
معاشر المؤمنين: اقلبوا أرديتكم تأسيا بنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، واجتهدوا في الدعاء، وألحوا في المسألة، وأخلصوا، وأحسنوا، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، عسى ربكم أن يرحمكم؛ فيغيث القلوب بالرجوع إليه، والبلد بإنزال الغيث عليه.
ألا وصلوا على رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

المقالات

