- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خطب الجمعة
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}(النساء:131)..
أما بعد: أيها المسلمون:
كل مجتمع له رموز وقادة، يمثلون قيمه، ويعدون مصدر اقتداء وإلهام، يعلون الهمة، ويقودون الأمة، ورموز مجتعاتنا وأمتنا الإسلامية هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..والمتأمل في واقع أمتنا اليوم، يجدها تفتقر إلى القدوات، وينقصها المثال، ولذا فتحت باب الاستيراد للقدوات من خارجها، فتنكرت لتاريخها، وتعاظم جهلها بسلفها الذين هم أهل القدوة فيها
إذا تمثل ماضينا لحاضرنا تكاد أكبادنا بالغيب تتفطر
لذا، كان لزاما علينا جميعا، أفرادا ومجتمعات، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، أن نرجع لهدي وحياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصابيح الهدى والنور، لا للتسلية، ولا للتفاخر بالآباء فحسب، بل لنتعظ ونعتبر، ونتلمس العزة والسعادة في حياتهم، فقد كانوا رضي الله عنهم رجالا لا كالرجال، رجال قال الله عنهم: {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}(الأحزاب:23).
كل الناس لهم هم، وهمهم كان رفعة لا إله إلا الله، كل الناس له قصد، وقصدهم كان الجليل في علاه، فتحوا المدن والقرى بالسنان، وفتحوا القلوب بالقرآن.. ولذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان متأسيا، فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"..
حديثنا اليوم -عباد الله- عن مصباح من مصابيح الهدى، وسيرة من سير الصحابة الكرام، لا نقدم سيرته ومواقفه لمجرد أنها قصص تحكى على المنبر، وإنما نقدمها للعظة والعبرة والاقتداء من ناحية، ولتعريف أولادنا بالنماذج والقدوات الحقيقية التي ينبغي أن يتمثلوا هديهم ويترسموا خطاهم وهم الصحابة رضوان الله عليه من ناحية أخرى..
نعيش اليوم مع واحد من هؤلاء العظماء.. إنه الرجل الذي لم يتردد لحظة في إسلامه وإيمانه بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم، الرجل الذي كان شعاره: "إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قال ذلك فقد صدق"، ولذا استحق بجدارة أن يسمى صديق هذه الأمة، أبو بكر الصديق رضي الله عنه..
أحب الرجال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها) رواه البخاري.
ولم لا يكون أبو بكر رضي الله عنه أحب الرجال إلى قلب رسول الله، وهو أول رجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "صدقت، يوم أن قال له الناس في مكة: كذبت؟!"، وهو الرجل الذي قدم ماله وعمره وحياته لله عز وجل، رجل قال الله تعالى عنه: {وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى}(الليل:21:17)..
أيها المسلمون: فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه كثيرة، نقف مع صفحات ومواقف من حياته لنستلهم منها الدروس والعبر، ومن ذلك مسارعته إلى الخيرات..
كان رضي الله عنه يسارع لكل خير وطاعة، ولا يتردد في البذل والعطاء، وكان من أهل الصيام والصدقة والقيام، ومراعاة إخوانه ومشاعرهم.. سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ذات يوم قائلا: (من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) رواه مسلم.
ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإنفاق في غزوة تبوك، جاء أبو بكر رضي الله عنه بماله كله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟، قال: أبقيت لهم الله ورسوله) رواه الترمذي.
وكان أبوبكر رضي الله عنه كان أعلم الناس بالنبي صلى الله عيله وسلم، في يوم من الأيام قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر قبيل مرضه الأخير وقال: (أيها الناس! إن عبدا من عباد الله خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، فبكى الصديق رضي الله عنه، وقال: فديناك بآبائنا يا رسول الله! فديناك بأمهاتنا يا رسول الله! فديناك بأنفسنا يا رسول الله، فضج الناس في المسجد عجبا لهذا الشيخ) رواه البخاري، ما الذي قاله وفعله أبو بكر، ولماذا؟! لقد علم الصديق رضي الله عنه أن العبد المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصحابة يقولوا: كان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم..
ثم انظروا إلى ثباته وثبيته للمسلمين يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: في لحظات عصيبة وشديدة ومؤلمة، حين مات النبي صلى الله عليه وسلم، اضطربت النفوس، ودهش الناس وأظلمت المدينة، حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من شدة الصدمة: "والله ما مات رسول الله!"..
فدخل أبو بكر على حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فرآه قد غطي وجهه الأنور، فبكى وقبله بين عينيه، وقال: طبت حيا وميتا يا رسول الله.. ثم خرج إلى هذه الجموع الحزينة فقال: "على رسلك يا عمر! أيها الناس! من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قول الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}(آل عمران:144) رواه البخاري. فثبت الله عز وجل بأبي بكر رضي الله عنه المسلمين، حتى قال عبد الله بن مسعود: "كدنا أن نقوم مقاما بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهلك فيه، لولا أن من الله علينا بأبي بكر الصديق".
وفي اليوم الثاني لتوليه الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقف الصديق رضي الله عنه على المنبر ليعلن سياسته وسياسة دولته العامة ودستور الإسلام الخالد، فقال: "أيها الناس! لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، وما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله"..
بدأ حكمه بهذا التواضع والخشية، وبالعدل الذي يرفع الله به الأمم والمجتمعات..
هذه بعض المواقف وبعض الصفحات والدروس من حياة الصديق رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ...
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، أما بعد: أيها المسلمون:
مشهد الوفاة والاحتضار لأبي بكر رضي الله عنه يحكي لنا صفحة من عظمة هذا الصحابي الجليل..
لما اشتد به الوجع قالت ابنته الصديقة عائشة رضي الله عنها:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فكشف الصديق الغطاء عن وجهه، وقال: لا تقولي هذا يا ابنتي، وإنما قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}(ق:19).
أبو بكر الصديق رضي الله عنه: السابق بالخيرات، المبشر بالجنة، أعلم الصحابة وأفضلهم، قامع الردة وأهلها، جامع القرآن، صاحب السيرة العطرة والصفحات المشرقة.. فما أحوجنا اليوم أن نقتدي به، وأن نعلم أبناءنا سيرته
إذا أعجبتك خصال امرء فكنه يكن منك ما يعجبك
رضي الله عن أبي بكر الصديق، وجمعنا به مع نبينا صلى الله عليه وسلم في جنة الله ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه، وجزاه عن أمة الإسلام خير الجزاء.
هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على السراج المنير، والهادي البشير، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}(الأحزاب:56)، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد..

المقالات

