الإخلاص والاتباع شرطان لقبول العمل

0 0

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}(آل عمران:102)..
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار..
أما بعد، أيها المسلمون: رضا الله تعالى عن العبد هو المقصود الأول من العبادة والعمل، ولا يبلغ العبد درجة الرضا إلا إذا كان عمله خالصا لله ، موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أتى بما يتعارض مع أحد هذين الأمرين والشرطين أو كليهما، لم يقبل منه عمله، أيا كان هذا العمل..
قال بعض السلف: "ما من فعلة وإن صغرت إلا ونشر لها ديوانان: لم، وكيف؟ أي لم فعلت هذا الفعل؟ وهل أردت به وجه الله عز وجل وحده، أم أشركت معه غيره؟ وكيف فعلت هذا الفعل؟ وهل هو موافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أم هو مخالف لهدي وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟!!

وقد دل على هذين الشرطين قول الله تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}(الكهف:110)، وقال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}(الملك:2).. قال الفضيل بن عياض في تفسير العمل الحسن: "أخلصه وأصوبه، فقيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصا، ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة"..
فهذان شرطان لقبول أي عمل،  الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم..

أما الإخلاص لله فمعناه: إفراد الله تعالى بالقصد في العبادة، أي: أن يعمل العبد العمل لا يريد به إلا وجه الله عز وجل..
وربما ظن ظان بأن الإخلاص أمر يسير، يتيسر لكل عبد في كل حال، في حين أن العلماء يقولون: "تخليص النيات ـ وهو الإخلاص ـ على العمال أشق عليهم من جميع الأعمال"..
وقال بعضهم: "إخلاص ساعة نجاة الأبد، ولكن الإخلاص عزيز"..
وقيل للإمام سهل: "يا أبا محمد: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص، إذ ليس لها فيه نصيب"..
فالنفس تحب الظهور والمدح والرياسة والدنيا، فحتى يتيسر للعبد الإخلاص ينبغي عليه أن يقطع حب الدنيا من قلبه، وأن يملأه بحب الله، فيكون المحرك له من داخله محبة الله عز وجل، وإرادة الدار الآخرة، فعند ذلك يتيسر عليه الإخلاص..
وقد قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}(البينة:5)..
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).. 
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) يخص الطاعات والمباحات دون المعاصي، فإن المعصية لا تصير طاعة بالقصد الصالح والنية الحسنة ..
جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، فأعاد الرجل السؤال ثلاث مرات، يقول له رسول الله: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتغي به وجهه)..

عباد الله: ربنا سبحانه وتعالى غني عن عباده، ولا يقبل منهم الشرك في القول أو العمل، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه سبحانه، ويجمع ما سبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أول ثلاثة يدعون للحساب وتسعر بهم النار يوم القيامة وهم: عالم جامع للقرآن، ومنفق، وشهيد..
يؤتى بالعالم القارئ للقرآن يوم القيامة فيعرفه الله نعمه عليه فيعرفها، فيقول الله له: "فماذا عملت فيها؟" يقول: يارب، تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن، فيقول الله له: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت ليقال قارئ، وقد قيل.. وأما الرجل الثاني: فهو رجل منفق جواد كريم ينفق في الخير هنا وهناك، يؤتى به يوم القيامة فيعرفه الله نعمه علبه فيعرفها، فيقول الله له: "فماذا عملت فيها؟ يقول: يارب، كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال جواد (رجل البر والخير)، وقد قيل.. أما الرجل الثالث: فهو رجل شجاع، قاتل مع المسلمين ضد أعدائهم حتى قتل، يؤتى به فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له كذبت، بل أردت أن يقال فلان جريء.. قال أبو هريرة رضي الله عنه: ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة"..
فهؤلاء الثلاثة رغم عظم أعمالهم، إلا أنهم من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة والعياذ بالله، لأنهم أدوا هذه الأعمال العظيمة بغير إخلاص لله جل وعلا.
وفي هذا الحديث: التأكيد على إرادة وجه الله بالعمل، والتحذير الشديد من الرياء، وبيان شدة عقوبته.. وفيه كذلك: أن الوارد في فضل الجهاد في سبيل الله، والثناء الوارد على العلماء والمنفقين في وجوه الخيرات، إنما هو لمن أراد من فعل ذلك كله ابتغاء وجه الله تعالى، مخلصا من قلبه، لا يشوب عمله شيء من الرياء والسمعة والشهرة..

ومن المعلوم أن الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام، ومن أعظم العبادات، إذا أداها صاحبها مرائيا غير مخلص لله، تتحول إلى سبب من الأسباب التي يعاقب عليها، قال الله تعالى: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون}(الماعون:7:4)..
ومما يتعلق بالإخلاص وبقوله تعالى: {الذين هم يراءون} قال ابن كثير: "أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس، فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء"..
فالشيطان حريص على إبعاد المسلم عن الأعمال الصالحة، ومن حيله أنه يصرف الإنسان عن الخير والعمل الصالح بدعوى الخوف من الرياء، فينبغي على المسلم عدم الالتفات إلى ذلك، والإعراض عن هذه الوسوسة، والحرص على عمل الصالحات، ومجاهدة النفس في تحقيق الإخلاص لله..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

الخطبة الثانية
الحمد لله الولي الحميد، الفعال لما يريد، أحمده - سبحانه - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله صاحب النهج الراشد والرأي السديد، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

إخوة الإسلام: الشرط الثاني في قبول الأعمال والطاعات والعبادات متابعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دل على هذا الشرط قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: مردود عليه، غير معتد به..
وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صريح في رد كل البدع والمنكرات الخارجة عن أصول الدين .

وفي الحديث: الأمر باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والالتزام بها، والنهي عن الإحداث والابتداع في دين الله..

وقد حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين ـ أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ـ، ونهانا عن الابتداع والإحداث في الدين، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)..
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم".
وقال الإمام مالك: "الاعتصام بالسنة نجاة، لأن السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك..
وقال الحسن البصري: "ادعى ناس محبة الله عز وجل فابتلاهم الله عز وجل بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}(آل عمران:31)"..
وقال سفيان الثوري: "لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بمتابعة السنة"..

نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الكتاب والسنة، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى..
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
 

مواد ذات صلة

المكتبة