- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خطبة الجمعة
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانك ربنا! لك الحمد والشكر، جعلت الصلاة عماد الدين، وقرة عيون المؤمنين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أفضل البرية، وسيد البشرية، إمام المتقين، وقدوة المصلين الخاشعين، اللهم صل وسلم وبارك على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وصحابته أجمعين..
أما بعد:
أيها المسلمون: في خضم مشاغل الحياة، وما تفرزه من مشكلات وضغوطات نفسية، يحتاج الإنسان حاجة ملحة إلى ما ينفس عن مشاعره، ويخفف من تعبه، ويبعث في نفسه الطمأنينة والراحة، ويبعده عن كل مشاعر سلبية، وتوترات نفسية، وهيهات، هيهات، أن يجد الإنسان ذلك إلا في ظل الإسلام وعباداته العظيمة، خاصة الصلاة..
الصلاة -عباد الله- عماد الدين وشعاره، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، قال صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)..
والصلاة أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فمن حافظ عليها فقد أفلح، ومن ضيعها فقد خسر، قال صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر).
والصلاة صلة بين العبد وخالقه، تصلح أعماله، وتنظم حياته، وتهذب سلوكه، كما أنها تمنحه قوة نفسية وروحية، وتعزز انضباطه وثقته بنفسه، وتعينه على اجتناب الفواحش والمنكرات، يتكرر فعلها كل يوم خمس مرات، فتطهر صاحبها من الذنوب والسيئات، وتصله بربه وتقربه إليه، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا، ما تقول ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله به الخطايا)..
إخوة الإسلام! الصلاة التي يريدها الإسلام هي التي تمثل المعراج الروحي للمؤمن، حيث تعرج به روحه كلما قام مصليا في فريضة أو نافلة، إلى عالم السمو والصفاء، والصلة بالخالق جل وعلا وطلب عونه ومدده .
وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم عند اشتداد الكربات والابتلاءات، والهموم والأحزان، أن نفزع ونسارع إلى الصلاة، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى)..
وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس حرصا على الصلاة، وشوقا إليها، واجتهادا فيها، فأعظم ما تسعد به نفسه، ويرتاح به قلبه، ذلك الوقت الذي يقضيه في الصلاة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)..
وكذلك كان الصحابة وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم، يحافظون على الصلاة في كل الظروف والأحوال.. فقد كان يؤتى بالرجل منهم - إلى الصلاة - يهادى بين الرجلين ويستند عليهما - من المرض أو العجز - فيقام في الصف في الصلاة".. فأين المتقاعسون الأصحاء من مثل هذا؟
وقال أحد السلف: "فاتتني مرة صلاة الجماعة، فعزاني فلان"، فأين نحن من ذلك؟!!
عباد الله: من المشاهد والواقع أنه نتيجة لارتماء كثير من الناس في أحضان الدنيا، والتنافس في جمع حطامها، ونسيان الآخرة، تناسى وغفل بعضهم عن مكانة وأهمية الصلاة، فلم يحافظوا عليها، فضلا عن إضاعتها وتركها، وصدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}(مريم:59)، وقال تعالى: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون}(الماعون:5:4)..
ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يعظم أمر الصلاة، ويوصي بها، ويبين فضلها ومكانتها العظيمة، ويحذر من عدم المحافظة عليها، فقال لأصحابه ولنا ولكل مسلم على وجه الأرض: (من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا نجاة ولا برهان، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأبي بن خلف)، قال العلماء: وفي ذكر هؤلاء الأربعة (فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف) فائدة بديعة، وهي أن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رياسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها عمل ورياسة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف..
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".. وإذا كان الأمر بهذه الأهمية والخطورة، فإن الذي يؤلم ويحزن القلب، أنه لا يزال في عداد المنتسبين للإسلام من لا يصلي.. فبعض المسلمين لا يذهب للمسجد للصلاة إلا في يوم الجمعة، والبعض لا يذهب للمسجد للصلاة إلا في شهر رمضان، والبعض الآخر لا يذهب للمسجد إلا مرة واحدة، لا ليصلي، بل، ليصلى عليه وهو محمول على الأكتاف بعد موته ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ..
عباد الله، وهناك صنف من الناس يؤدون الصلاة ويحافظون عليها، ولكن لا ترى آثار الصلاة عليهم.. فلا تمنعهم صلاتهم من توقي المحرمات، ولا تنهاهم صلاتهم عن التفريط في الحقوق والواجبات، كعقوق الوالدين، والإساءة لزوجاتهم وأولادهم وجيرانهم، والتساهل في حقوق العباد، والوقيعة في أعراضهم.. ولا تبعدهم صلاتهم عن قبيح الخصال وسيء الأخلاق.. وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن فلانة تقوم الليل و تصوم النهار، وتتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي من أهل النار).. وفي هذه الإجابة على هذا التساؤل: بيان وتأكيد على ارتباط العبادات ـ ومنها وأهمها الصلاة ـ بالأخلاق والتعامل مع الناس بالإحسان إليهم وعدم إيذائهم..
أيها الأحبة: الصلاة عماد دينكم، وركن عظيم من أركان إسلامكم، فلا تفرطوا فيها ولا تضيعوها، ففيها طمأنينة للنفوس، وراحة للبال، وطهارة من الذنوب، ونور في القلوب والبصائر، فاحرصوا على أدائها في أول وقتها، لتنالوا رضا ربكم وتكونوا من الفائزين، وتسلك بكم طريق وسبيل السعادة في الدنيا والآخرة.. واعلموا أن تضييعها خسارة لا تعوض، وشقاء لا ينقطع..
فبادروا إلى ربكم بالقيام بأمر الصلاة، واستعينوا به على المحافظة عليها..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل لكل شيء عمادا، وجعل الصلاة لنا ذخرا وزادا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكمل الأمة إيمانا وصلاة، وأعظمها عبادة وجهادا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه..
أما بعد: فلنتق الله -عباد الله- في أمورنا عامة، وفي صلاتنا خاصة، فإن حظ المرء من الإسلام على قدر حظه من الصلاة، وإن من أسباب تردي كثير من الأوضاع في حياتنا،هو عدم القيام بما هو من أوجب الواجبات، ألا وهو الصلاة، فإلى الله المشتكى! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
ولذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في المحافظة عليها، وأمر بالقيام بها في السفر والحضر، والأمن والخوف، والصحة والمرض.. ولأهميتها كانت من آخر الوصايا التي وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته قبل موته، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة، الصلاة). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه: الصلاة)..
وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نعود أولادنا عليها من صغرهم، ونتابعهم في الحرص والمحافظة عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع).
قال ابن تيمية: "يجب على كل مطاع أن يأمر من يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الذين لم يبلغوا، ومن كان عنده صغير، يتيم أو ولد، فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير". وضرب الولد على الصلاة لا يلجأ إليه إلا بعد الكلام والنصيحة، والتربية السليمة، والترغيب والتشجيع، مع العلم أن المراد بالضرب هو الذي يحصل به التأديب بلا ضرر، فلا يجوز للأب أن يضرب أولاده ضربا شديدا، كما ينبغي ألا يكون أمام أحد، صيانة لكرامة الصبي أمام نفسه وأمام غيره من أصحابه وغيرهم..
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأولادنا وأحوال المسلمين، وأن يجعلنا من المحافظين على صلاتهم..
هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين..
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين..
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.. والحمد لله رب العالمين..