كلمات وأنوار في وَصْف الحبيب صلى الله عليه وسلم

0 0

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أكرمنا بنبي الرحمة، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ترضيه عنا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، هدى الله به القلوب، وأنار به الأبصار، وجمل به الحياة، وجعل اتباعه علامة محبته، وطاعته سبيلا إلى جنته، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار..

أما بعد 

أيها الأحبة: حديثنا اليوم عن الذي جمعت فيه المحاسن كلها، وخصه الله عز وجل بمكارم وفضائل في الدنيا والآخرة لم يختص بها غيره..
فريد في سيرته.. إذا تكلم أصغت الأسماع، وإذا سكت خيم الوقار..
إذا أقبل، استنار به المكان، وإذا ابتسم، تفتحت القلوب لجماله، تنساب كلماته كالماء الزلال، حكمة وعذوبة وصفاء..
وجهه فاق القمر ضياء وجمالا..
لا كذب في قوله، ولا خيانة في عهده.. رحيم بمن حوله، متواضع وقريب من الناس رغم علو شأنه..
خلقه عظيم، ووجهه بدر، وعرقه مسك، وكلامه صدق..
أعظم الناس خلقا، وأصدقهم لهجة، وأوفاهم عهدا، وأجملهم وجها، وأكملهم هيئة..
هو الذي إذا رآه العدو هابه، وإذا خالطه الطفل أحبه، وإذا صاحبه الجاهل علمه..
هو الذي اشتكى له الجمل، وسلم عليه الحجر، وحن الشجر والجذع حبا له؟!!

لا تعجبوا، من وجود هذه الصفات في شخص واحد، فهو الذي رفع الله له ذكره، وأعلى شأنه، وقرن اسمه باسمه..
إنه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والحبيب المحبوب، اجتمع فيه الجمال والكمال البشري، وتآلفت في شمائله صفات لا تجتمع في بشر، فكان مظهره آية، وخلقه رسالة، ووجوده رحمة، قال الله تعالى عنه: {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم:4)، وقال: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء:107)، وقال له: {ولسوف يعطيك ربك فترضى}(الضحى:5)، {إنا أعطيناك الكوثر}(الكوثر:1)..
إنه نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، أفضل خلق الله، وأعظم رسل الله.. 
قال عنه علي بن أبي طالب : "إذا اشتد بنا القتال احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم"..
وقال عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم وفاته: "طبت حيا وميتا يا رسول الله"..

عباد الله: لقد كرم الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم تكريما ما أكرم به نبيا من الأنبياء، ولا رسولا من الرسل، فقال تعالي له: {ورفعنا لك ذكرك}(الشرح:4).. ومما لا شك فيه أن سائر الأنبياء والرسل لهم مناقب وفضائل ، ولكن الحبيب صلى الله عليه وسلم هو صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود، هو أول من يبعث، وأول من يفتح له باب الجنة، وهو صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة..
هو الذي زكاه ربه سبحانه في شأنه كله، زكاه في عقله فقال: {ما ضل صاحبكم وما غوى}(النجم:2) ، وزكاه في بصره فقال: {ما زاغ البصر وما طغى}(النجم:17)، وزكاه في لسانه وكلامه فقال: {وما ينطق عن الهوى}(النجم:3)، وزكاه في فؤاده فقال: {ما كذب الفؤاد ما رأى}(النجم:11)، وزكاه في معلمه فقال: {علمه شديد القوى}(النجم:5)، وزكاه كله فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم:4)..

وأما جمال خلقه صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجمل الناس خلقا وخلقا، وصفه الصحابة بأدق وصف وكأننا نراه، ولم يصفه واصف قط إلا شبهه بالقمر ليلة البدر، ولقد كان يقول قائلهم: "لربما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فنقول: هو صلى الله عليه وسلم أحسن في أعيننا من القمر"..
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا"..
وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: " كان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مضيئة مقمرة، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر"..
وقيل للربيع بنت معوذ رضي الله عنها: صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: "يا بني لو رأيته لرأيت الشمس طالعة"..

وأما عن وصف ملامحه بصورة إجمالية:
شعره: بين الخشونة والنعومة..
عيناه: واسعتان، سوداوان، كأنهما مكحلتان بالطبيعة..
أنفه: مستقيم، وفمه: إذا تكلم خرج النور من بين أسنانه..
أسنانه: منتظمة، يلمع منها نور طيب الكلام..
جبينه: واسع، عليه نور وجلال..
عنقه: كأنه إبريق فضة، ناصع مشرق..
لحيته: كثة، سوداء، تدل على الهيبة والوقار..
صدره: عريض، وكان متوازنا لا بطن له..
ذراعاه وكفاه: ممتلئتان قوة وهيبة..
قدماه: تخطان الأرض بثبات..
رائحته أطيب من المسك، كان الأطفال إذا سلم عليهم بقي أثر يده وعطره في رؤوسهم يوما كاملا، وكان الصحابة يعرفون مروره من أثر عطره الزكي..
والله عز وجل حينما كسا محمدا صلى الله عليه وسلم بالجمال، كساه بالهيبة والجلال والوقار.. دخل عليه أعرابي فارتعد واصفر لونه، فقال له صلى الله عليه وسلم: (هون عليك، فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد) .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

الخطبة الثانية:
الحمد لله أكرمنا بخاتم النبيين، وجعلنا من أتباع خير خلقه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه..

عباد الله : من أروع من وصف النبي صلى الله عليه وسلم بدقة هي أم معبد يوم الهجرة، فقالت: في بعض وصفها له:
"رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه (مشرق الوجه مضيئه)، حسن الخلق.. إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق.. أنضر الناس منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره.."، وأخذت تعدد وصفه خلقا وخلقا حتى قال لها زوجها أبو معبد:" هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا"..

وختاما أيها الأحبة: لقد أنطق حب النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، وحرك الشجر، وأبكى الجذع، وأسكب دمع البعير، وحرك الجمادات والنباتات شوقا إليه وفرحا به.. آيات ومعجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم حدثت له في حياته ورآها أصحابه، وثبتت في صحيح الأخبار، وهي من جملة دلائل نبوته، وإذا كانت هذه المخلوقات التي لا تعقل تحبه وتشتاق إليه، وتطيعه وتمتثل أمره ـ وهي غير مكلفة ـ، فأين نحن من حبه صلوات الله وسلامه عليه؟!! وأين نحن من اتباعه وطاعة أمره، والاقتداء بسنته وهديه؟!!
حن جذع إليك وهو جماد    فعجيب أن يجمد الأحياء
كان الحسن البصري يقول: "يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه، أفليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه؟"..
إنه رسول الله، نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، له عند ربه مقام عظيم، وقدر جليل، فاق كل الخلائق أجمعين..
إنا نحبك يا رسول الله     حبا لا يبدد
فلتشهدي يا أرض هذا   والسما والكون يشهد

حب النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد عاطفة أو قصيدة تتلى.. بل في اتباع منهجه والاقتداء بسنته، فمن أراد أن يسقى من حوضه، ويحشر تحت لوائه، ويجاوره في الجنة، فليجعل حياته كلها على هديه..
أحبوا نبيكم صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، واتباعا واقتداء..
تعلموا هديه وسنته وأخلاقه، وعلموها أبناءكم، وعيشوا بها في بيوتكم وحياتكم..
تعلموا من رحمته، كيف تكونون مع خلق الله جميعا رحماء..
تعلموا من صدقه، كيف تكونون صادقين في قولكم وفعلكم..
تعلموا من تواضعه وأمانته وعدله وأخلاقه كلها، لتكونوا من السعداء في الدنيا والآخرة..

هذا، وصلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم وأكثروا من الصلاة عليه..
اللهم اجعلنا من المتمسكين بهديه، وارزقنا صحبته في الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا..

مواد ذات صلة

المكتبة