الإيمان وأثره على الأمان النفسي

0 0

خلق الله الدنيا وجعلها دار ابتلاء واختبار، وجعل حياة الإنسان فيها وعيشه في كبد، وملئت بالأكدار حتى لا يطمئن الناس إليها، ولا يركنوا للبقاء فيها.
خلقت على كدر وأنت تريدها .. .. صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طبــــاعهـا .. .. متطلب في الماء جذوة نار
ومن راقب حياة الناس وجد كثيرا منهم يقاسون الهموم والهواجس، والأحزان والمخاوف: خوف من الموت، خوف من الأمراض والأوبئة، خوف من المستقبل الغامض. ويعانون من هم الرزق، وهم الزوجة، وهم الأولاد، وهم الوظيفة، وهموم العمل، وهموم الحياة.

البحث عن الأمن النفسي ومفهومه
ومع كثرة المشاكل وزيادة القلق، وانتشار الاكتئاب والأمراض النفسية، بدأ الناس يبحثون عن الأمن النفسي.. 
فما هو المقصود بالأمن النفسي؟
الأمن النفسي ـ باختصار شديد ـ هو هدوء النفس، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب.
هو الشعور بالطمأنينة الداخلية، والسكينة، وعدم القلق من المستقبل، الرضا بقضاء الله وقدره، وعطائه ومنعه، والإيجابية في مواجهة الصعاب وتقلبات الحياة.
هو الحياة الطيبة الخالية من المنغصات والاضطرابات النفسية والروحية. ليس لأنها ليس فيها مشكلات أو ابتلاءات، ولكن لأن صاحبها لا يترك هذه الابتلاءات تنغص حياته أو تصيبه بالهلع والجزع.
الأمن النفسي يمكن اختصاره في ثلاث كلمات: السكينة، السعادة، الرضا.

علاقة الإيمان بالأمن النفسي
وعلاقة الإيمان بهذه الأمور هي علاقة السبب بالمسبب.. فإذا وجد الإيمان وجدت السكينة، ووجدت السعادة، ووجد الرضا، ووجد معه الأمن النفسي.. يزيد بزيادة الإيمان، وينقص بنقصانه..

فالإيمان بالله وتوحيده: يطهر النفس ويزكيها، ويشرح الصدر، ويقوي القلب، كما أن الشرك يدنسها ويدسيها، ويوهن القلب، ويفتح باب الوساوس والمخاوف.

وعلاقة الإيمان بالأمن النفسي علاقة أكدها الله في القرآن الكريم، فقال سبحانه: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}[الأنعام:82].
يعني لهم الأمن في الآخرة، فلا يخافون حين يخاف الناس، ولهم الأمن في الدنيا أيضا، ومع الأمن الهداية، يعني إلى كل شيء طيب وصالح..

. والإيمان يقلل من خوف الإنسان من غير الله، ويساعده على التحكم في مشاعره السلبية مثل الخوف والقلق، فهو يعلم أن الأمر كله لله، وتصريف الكون بيديه، فلا يكون فيه إلا ما يريد، فلا يرى لأحد مع الله تصرفا، كما في قصة الرجل الذي اخترط على النبي صلى الله عليه وسلم السيف وقال: من يمنعك مني؟ قال: "الله".. لم يضطرب، لم يخف، لم يتلعثم، لم يهرب، فهو لتمام إيمانه يعلم أن الأمر لله تعالى، وأن الله يتولى المؤمنين، ويحفظهم، ويحميهم، ويدافع عنهم، فهو مطمئن لقول الله: {أليس الله بكاف عبده}، وقوله: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، وقوله: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، وكذا الواحد منا كلما فوض أمره لربه وتوكل عليه اطمأن قلبه، وسكنت نفسه فلا يخاف ولا يبأس، ولا يجزع ولا يهلع.

. والإيمان والعمل الصالح سبب الحياة الطيبة، والتقرب إلى الله بعبادته يفتح على العبد باب المحبة، والقرب والأنس، وهي الحياة الطيبة التي قال الله عنها: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}[النحل:97].
وهذه هي جنة الدنيا التي قال عنها ابن تيمية: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها؛ لم يدخل جنة الآخرة". وقال مالك بن دينار: "إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا، حتى أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب".

. الإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي، فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن القدر لا مدفع له، وهو مكتوب قبل خلق الخلق بأمد طويل، قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور) [الحديد:22]. وقال سبحانه: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم) [التغابن:11]. قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.

وإيمان العبد بأن قضاء الله له كله له خير، يورث الرضا بقضاء الله، وعدم السخط، فهو مأجور على شكره، ومأجور على صبره، فلماذا يضجر ويتسخط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له)[رواه مسلم].

. الإيمان بأن الرزق مكتوب، يزيح عن القلب هم التفكير فيه، والقلق عليه، وخوف الفقر، ويمنع من التطلع لما في أيدي الناس، ويحفظ من حسد الناس على ما آتاهم الله، فكلها أرزاق كتبها الله للإنسان وهو في بطن أمه، فرزقك لن يأخذه غيرك، كما أنك لا تأخذ رزق غيرك...
والإيمان بأن الرزق مضمون، وأن العبد لن يموت حتى يستكمل رزقه، لا يمنعه حسد حاسد، ولا بغض شانئ، ولا ظلم ظالم، مما يريح القلب، ويمنع من الحرص واللهفة، والطمع والجشع، والخوف من الفوات، قال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)أخرجه الطبراني.
فالمسلم يصدق في توكله على ربه، ويأخذ بالأسباب التي خلقها الله، ويطلب من ربه العون والسداد.

. والإيمان بأن الأجل مقدر محتوم: وأن {لكل أمة أجل ۚ إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ۖ ولا يستقدمون}[يونس:49]. وأن الإقدام لا يقصر العمر، كما أن الإحجام لا يطيله، وأن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، فيحمله ذلك على الشجاعة والإقدام، والتمسك بخصال المروءة، والجرأة في الصدع بالحق، والأمر بالمعروف، فلا يرضى بالذل ولا يقبل الضيم، ولا يعيش الجبن، بل يحفظه إيمانه من أن يبيع قيمه وأخلاقه، أو يتنازل عن كرامته حفاظا على عمره، وإبقاء على حياة هي باقية بقدر الله إلى أن يشاء الله.

وبالجملة فإن الإيمان يحقق الأمن النفسي، ويزيد الشعور بالأمان والسكينة ويحقق الطمأنينة الداخلية، ويعالج القلق والاضطرابات؛ ويزرع في النفوس الثقة بالله، والقرب منه، والأنس به، ويمنح صاحبه عقيدة راسخة، تعالج أهم القضايا التي يعاني منها الفرد.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة