ساعدوني قبل أن أضيع‏، أشعر أني منفصلة عن الواقع لا أدرك أفعالي

0 777

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياتي تتدهور، لست أدري ماذا يحدث لي، لكن لأول مرة أشعر بهذا الشعور السيء، أشعر أني لا أستطيع التحكم بذاتي، وأني منفصلة عن الواقع، أشعر أن تفكيري مشغول دائما وأفقد القدرة على التركيز، صدقا كمن يؤول للجنون، أشعر أني منفصلة عن الواقع، لا أدرك كثيرا من أفعالي كمن سلب منه العقل والوعي والإدراك.

لا أستطيع الخشوع في صلاتي، أقصر بها كثيرا لدرجة أني لم أعد أصليها بوقتها، وأصليها دون تركيز وأتركها لآخر وقتها، وكثيرا ما تضيع علي السنن، ولم أعد أقرأ القرآن ولا حتى الحفظ، رغم أني أوشكت على إتمام حفظه، دراستي لم أعد أتقنها أو حتى أركز بها، رغم أني في آخر سنة من سنوات دراسة الطب، أشعر أني مشتتة وضائعة، وأفكر في كثير من الأشياء التي لا يجوز التفكير فيها، وأسرح بخيالاتي وأحيانا أتأثر من ذلك، ولا أرتاح بنوم ولا بيقظة! ينتابني شعور البلادة بحيث أن كل شيء أصبح عندي سيان، الشروق والغروب، الحياة والموت، السعادة والحزن.

أشعر أني أفقد إنسانيتي بالتدريج، أخاف أن يكون الله غير راض عني، لقوله تعالى:{ فكره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}، أشعر أن عمري صار بلا هدف، وأن جميع أفكار الخلافة في الأرض وعمارتها، وعبادة الله حق العبادة، قد حلت محلها أفكار سخيفة سيئة محرمة، أحيانا أجذبها أنا، وأحيانا تسيطر علي وحدها، وفي كلتا الحالتين أكون على معصية، وإن فعلت أي ذنب حتى لو كنت قد تبت عنه قديما أعود لفعله بكل برود قلب، كأنما الحرارة بداخلي انطفأت، أهو ضنك العيش من الذنوب؟ أم أنه الران الذي تكدس على قلبي؟! أشعر أني أفقد كل شيء، أهدافي، أفكاري النظيفة، تركيزي، وحفظي لكتاب الله، ودراستي التي هي درب خلافتي لله في الأرض، وكل شيء! أفتوني في أمري قبل أن أصبح جثة هامدة آكل وأشرب وأنام كالبعير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تائهة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك كثيرا على ثقتك في إسلام ويب، ورسالتك أعجبتني كثيرا -أيتها الفاضلة الكريمة-، وبالفعل أنت في حاجة لمساعدة وتستحقين المساعدة، ولا بد أن أملكك الحقائق قبل أن أطمئنك.

الحالة التي بدأت عندك هي نوع من القلق النفسي الذي يسمى باضطراب الأنية، واضطراب الأنية هو شعور بالتغرب عن الذات، أو كما وصفه أحد العلماء كأن الإنسان ينظر إلى نفسه من مكان بعيد، تكون الأمور متغيرة حول الإنسان، مشاعره، يصاب بنوع من القلق، يفتقد التركيز، ويكون هنالك شيء من الانفصال بالواقع، والظاهرة فعلا مزعجة جدا لصاحبها بالرغم من أنها ليست خطيرة.

بعد ذلك اتضح لي وبما لا يدع مجالا للشك أنه لديك أفكار وسواسية، ولديك ميول للتحليلات الوسواسية كجزء من منهجك التفكيري، وهذا قطعا أدخلك في كثير من عسر المزاج والشعور بالكدر وعدم الارتياح.

حالتك -أيتها الفاضلة الكريمة- باختصار حالة طبية نفسية معروفة، تعرف بـ (قلق المخاوف الوسواسي البسيط)، نعم -إن شاء الله- هي بسيطة حتى ولو كان وقعها عليك شديدا، لأن هذه الحالات تعالج، لذا نعتبرها بسيطة -إن شاء الله تعالى-.

ما تعانينه من مخاوف حول عقيدتك، أقول لك جزاك الله خيرا، هذا كله ناتج من الوساوس، -إن شاء الله تعالى- ليس هنالك ران على قلبك، وليس هنالك ما تكدس على قلبك، هي مشاعر وأفكار سلبية ذات طابع وسواسي، أدت بالفعل إلى افتقادك التركيز على أهدافك.

الذي أفضله -أيتها الفاضلة الكريمة- هو أن تذهبي إلى طبيب نفسي إن كان هذا ممكنا، وإن لم يكن هذا ممكنا بعد أن قمنا بهذا الشرح الموجز لحالتك، أقول لك: إن أعظم وسائل العلاج هي التجاهل، وحسن تنظيم الوقت، وإدارته بصورة فعالة، وعدم الانقياد بالمشاعر أو الأفكار السلبية، إنما تنقادي من خلال الإنجاز، وأن تقومي بكل واجباتك، وأن تستمتعي بحياتك، وذلك من خلال حسن إدارة الوقت.

البعض يرى أن هذا الكلام نظري لا يقصد تطبيقه، لكن لا، الإنسان المستبصر يستطيع أن ينظم وقته، يستطيع أن يكون إيجابيا، يستطيع أن يحس بالإشباع والرضا الداخلي لأنه قد أنجز، والإنسان حين يفلح في تطبيق كل أنشطته اليومية لا بد أن يحس بنوع من المكافئة الذاتية في نهاية اليوم.

أنت أيضا محتاجة لصرف الانتباه، وصرف الانتباه أصلا يأتي من خلال الإنجاز وحسن إدارة الوقت، وهذا يعني حسن إدارة الحياة. التفكير الإيجابي، وأنت لديك أشياء جميلة في حياتك، هذا العمر الجميل، سنواتك الدراسية في نهايتها، مثلك ومثل كل شابة ممتازة وخلوقة، لك قطعا آمال، أن تعيشي حياة طيبة، أن يهبك الله تعالى الزوج الصالح، أن تكوني دائما على طاعة، أن تبري والديك، وهذا -إن شاء الله تعالى- كله أمامك متاح.

ممارسة أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة لها قيمة علاجية كبيرة في مثل هذه الحالات، وكذلك تطبيق تمارين الاسترخاء، وموقعنا لديه استشارة تحت رقم (2136015) أرجو أن تطلع عليها، وتستفيدي من توجيهاتها وإرشاداتها، فهي بالفعل مفيدة، وقد استفاد منها الكثير من الناس -بإذن الله تعالى-.

بقيت الخطوة الأخيرة، وهي العلاج الدوائي، والذي أراه مهما وضروريا في مثل هذه الحالات، لأن العلاج الدوائي يجعل الإنسان بالفعل مرتاحا ومسترخيا وتوجهه وتفكيره يكون أكثر إيجابية وسهولة وانطلاقا، مما ييسر عليه التطبيقات السلوكية التي تحدثنا عنها.

من الأدوية الممتازة جدا عقار (زولفت) والذي يعرف علميا باسم (سيرترالين) والجرعة هي نصف حبة (خمسة وعشرين مليجراما) يتم تناولها ليلا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ترفع إلى حبة كاملة -أي خمسين مليجراما- يتم أيضا تناولها ليلا لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى مائة مليجرام ليلا، وهذه يكون الاستمرار عليها لمدة ثلاثة أشهر، بعدها تخفض إلى حبة واحدة ليلا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم إلى نصف حبة ليلا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء. الدواء ليس إدمانيا، وليس له أي آثار سلبية على جسم الإنسان، خاصة الهرمونات النسائية.

أنت -الحمد لله تعالى- على أعتاب التخرج، وأنا على ثقة كاملة أنك سوف تتخطين هذه الصعوبات البسيطة، ومن جانبي أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات