الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكنني بناء تقدير الذات بطريقة علمية صحيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 24 عامًا، أعاني من قلق اجتماعي شديد وانخفاض حاد في تقدير الذات، ويعود السبب في ذلك إلى البيئة الأسرية التي نشأت فيها، وأود الدخول مباشرة في صلب الموضوع.

الأسرة المسببة للقلق الاجتماعي لا تقتصر فقط على الوالدين، بل تشمل الإخوة أيضًا، فقد يتعرض الطفل خلال الطفولة والمراهقة يوميًا لعشرات المواقف المؤذية؛ سواءً من الأب، الأم، والإخوة: توبيخًا، نقدًا، إهانةً، استهزاءً، تسلطًا، أو حتى ضربًا، بالإضافة إلى غياب أي إشعار بقيمته أو احترام كرامته!

تخيل التأثير التراكمي لذلك الأسلوب إذا تكرر بمعدل 20 مرة في اليوم، على مدار 15 سنة، هذا يعني أكثر من 100,000 موقف من التحقير أو التوبيخ، مما يؤدي إلى تشوه في الصورة الذاتية، وشعور عميق بالدونية والعجز، وربما العار.

فهذا لا يسبب فقط تشوهًا فكريًا ومعرفيًا وتجنبًا للمواقف الاجتماعية، بل أيضًا يسبب انخفاضًا حادًا في تقدير الذات لدى الطفل أو المراهق.

أنا الآن لا أواجه مشكلة في تصحيح التشوهات الفكرية، ولا في التعرض التدريجي للمواقف الاجتماعية، ومع مرور الوقت سأتقنها، لكن مشكلتي الحقيقية تكمن في بناء تقدير الذات، فأنا لا أفهمه جيدًا، ولا أعرف كيف أبدأ في بنائه بشكل عملي!

لذا أرجو منكم أن تكون الاستشارة مركزة على كيفية بناء تقدير الذات من الصفر -حتى وإن كانت مطولة-، وأن تتناولوا الأمر من جميع الزوايا الممكنة، مع ذكر المصادر المفيدة في هذا المجال.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك -أخي الكريم- على ثقتك في إسلام ويب وفي شخصي الضعيف، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

موضوع التأثير التربوي على الإنسان في فترات التكوين الأولى لا يُنكره أحد، فتلك التأثيرات تظهر على الإنسان حين يكبر ويصل إلى مراحل حياتية تتطلب منه تحمّل مسؤوليات أكبر.

لكن هناك الآن نظرية ممتازة وقوية، وأنا شخصيًّا على قناعة تامة بها، وهي أن الإنسان، بعد بلوغه مرحلة الوعي، يستطيع أن يُعيد تربية نفسه وتأديب ذاته، قد يبدو هذا الكلام غريبًا بعض الشيء، لكنه في الحقيقة يُمثّل عين الصواب.

فليس من المقبول أن يضع الإنسان مبررات سلبية أو يستخدم دفاعات نفسية خاطئة، مثل:الإنكار، أو التبرير، أو الإسقاط، ليقول: بما أنني عشت طفولة صعبة، فلا بد أن أظل مراهقًا أو شابًا تعيسًا، هذا التفكير لم يعُد مقبولًا على الإطلاق.

المنظومات التربوية حول العالم اليوم قد تغيّرت، وكما تفضلتَ، فليس المحيط الأسري وحده هو المسؤول عن الإشكالات النفسية، مثل: اضطرابات القلق الاجتماعي وغيرها، بل إن المحيط العام قد يكون هو المؤثر الأكبر، ونحن نعيش في زمن يعجّ بالمآسي: من قتل، وتشريد، وأحداث مؤلمة.

إذًا البيئة التي حولنا لها تأثير كبير وضخم على التربية النفسية والسلوكية والاجتماعية، لذلك أنت -أخي الكريم- لترفع تقدير ذاتك، عليك أن تُقرِّر أنك ستعيد تربية نفسك بنفسك، لأنك تملك الآن القدرة، وتملك المهارة، وتملك الإمكانات لذلك.

كيف تفعل ذلك؟ كل إنسان يخطط حسب ما يناسبه، ولكن هناك أمور عامة مشتركة، أولها أن الإنسان يجب أن يفهم ذاته، نعم، تحلل ذاتك وتفهمها كما هي في وضعها الحالي، ولكن لا بد أن تكون منصفًا مع نفسك، فلا تضخمها، ولا تحقرها، تكون منصفًا جدًّا في ذلك، وتعرف مصادر القوة، وكذلك مصادر الضعف لديك، ثم تسعى لما نسميه بـتطوير الذات، وهذا هو السبيل للخروج من دائرة تقدير الذات السلبي.

حدد أين تكمن مصادر قوتك، وأين تكمن نقاط ضعفك، وحاول أن تنمّي مصادر القوة لديك، وتقلل من نقاط الضعف، والإنسان أصلًا من الناحية السلوكية هو عبارة عن مثلث يتكون من: مشاعر، وأفكار، وأفعال.

إذا كانت أفكارك سلبية، فابحث عن البدائل الإيجابية، لماذا لا تختار التفكير الإيجابي؟ وإذا كانت مشاعرك مضمحلة وسوداوية، فلماذا لا تستبدلها بمشاعر إيجابية؟ أنت شاب، والله تعالى قد منحك من الطاقات، ما يجعلك قادرًا على التغيير.

وكذلك الأفعال مهمة جدًّا؛ فإذا ألزمت نفسك بالأفعال -أي الجدية والإنتاجية- وحرصت على أن تكون نافعًا لنفسك ولغيرك، فإنك، ومهما كانت أفكارك ومشاعرك سلبية، تكون بذلك قد انتصرت على ذاتك السلبية، وعلى نفسك الأمّارة بالسوء، لتنتقل -بإذن الله تعالى- إلى مرحلة النفس المطمئنة.

فأخي الكريم، هذه خلاصة الموضوع باختصار شديد، وأنا أعتقد أنها تمثل أفضل مدرسة فكرية في عصرنا الحالي، نستطيع أن نقول: إن الإنسان لديه القدرة على أن يبني ذاته، ويحقق نجاحات كثيرة، ويُقدِّر نفسه التقدير الصحيح.

وقطعًا هناك أمور لا بد أن تحددها لنفسك:
أولها: تحسن إدارة وقتك، هذه نقطة أساسية ومهمّة جدًّا، والنقطة الأساسية في حسن إدارة الوقت هي: تجنُّب السهر، تجنب السهر نعتبره أمرًا مهمًّا وضرورية.

النقطة الثانية: أن يكون لك أهداف واضحة: هدف آني، وهدف متوسط المدى، وهدف بعيد المدى:

- الهدف القصير المدى: هو ما يمكن تحقيقه خلال 24 ساعة، كأن تقرر زيارة جدك أو جدتك، وهو هدف بسيط في ظاهره، لكنه يحمل أثرًا نبيلًا وعميقًا، ويمنحك شعورًا سريعًا بالإنجاز والرضا، كما أنه قد يقودك لتحقيق إنجازات أخرى لم تكن في الحسبان.

- الهدف متوسط المدى: فهو مثل أن تعزم على حفظ أربعة أجزاء من القرآن الكريم، وهو هدف واضح ومحدد، يتطلب منك وضع خطة زمنية وعقلية مدروسة، مع اختيار الوسائل المناسبة لتحقيقه، وعندما تصل إليه ستشعر بلذة الإنجاز الحقيقية، وستجد أنك قد طوّرت نفسك في مجالات أخرى بشكل غير مباشر.

-الأهداف بعيدة المدى: فهي التي تتعلق بمسارات حياتك الكبرى، كالتخطيط للزواج، أو اختيار التخصص الأكاديمي المناسب، أو بناء مستقبل مهني مستقر، وهي أهداف تتطلب رؤية بعيدة المدى، وصبرًا، ومثابرة لتحقيقها.

هذه هي المنظومة التي ينبغي أن تسير عليها؛ تبدأ بتقييم ذاتك تقييمًا إيجابيًا من خلال استبدال الأفكار والمشاعر السلبية بأخرى إيجابية، ثم تعزز ذلك بسلوكيات وأفعال إيجابية تعكس هذا التغيير الداخلي، مع الحرص على ألا تقع في فخ تحقير الذات، أو التقليل من شأنها في أي مرحلة من المراحل.

وتمسّك بالصحبة الطيبة، والالتزام بالدين، وبرّ الوالدين، وممارسة الرياضة، فهذه كلها عناصر رئيسية وجوهرية في تطوير الذات، وهي مفاتيح أساسية للنهوض وبناء الشخصية السوية.

ولا تُقلّل من شأنك، فإن الله قد أكرمك، وإن لم يكرمك البشر، فلا تهتمّ لذلك.

وفقك الله لما يحبه ويرضى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً