أعاني من اضطرابات نفسية بسبب طفولتي البائسة!

0 238

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب عمري 29 سنة، حياتي أيام الطفولة كانت سيئة بسبب سوء خلق والدي، فقد كان قاسيا عنيدا، ويضربني دائما كأني سجين عنده بالأيدي والأقدام والأسلاك والعصا وبحذائه -أكرمكم الله-، يسخر مني بالكلام دائما، يقلل من شأني ويحتقرني، يمنعني من أصدقائي، يكرههم بي، ويضربهم إذا جاءوا عندي، وهم أبناء جيراني، وأطفال مثلي، ولم أذهب لمدينة الملاهي في طفولتي أبدا، وإذا وعدني بشيء لا يفي بوعده، باختصار أبي يكره أباه ويطبق قسوة أبيه علينا.

حاليا لا أتعامل مع أبي لأنه يجلب لي البؤس والتحطيم، أكون مرتاحا فإذا زرته يضيق صدري، وأندم على زيارته، وأشعر بالاكتئاب إذا كنت معه.

أعاني من الاكتئاب والقلق والتوتر، وعدم القدرة على الحديث أمام الناس، أشعر باضطراب في نفسي، أحيانا أكون جيدا، وأحيانا تنتكس حالتي للأسوأ، لا أستطيع أن أصلي بالناس إماما، لدي خوف داخلي وخجل، وخفقان، وملامح وجهي تتغير بسرعة، ولا أستطيع أن أسيطر عليها، وأشعر بالكتمة والحزن على نفسي، وأريد أن أتغير للأفضل، ولم أستطع.

في أغلب المواقف المضحكة عندما أضحك تتراجع عضلات ابتسامتي وأشعر بالخجل، ولا أستطيع أن أضحك من قلبي، فأنا غير اجتماعي، وأتحاشى الجلسات الجماعية، ولا أستطيع التحدث عن نفسي أمام الناس.

تعبت من نفسي جدا، أريد علاجا لمشكلتي بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:

فمهما فعل والدك فلن تستطيع الانفكاك عن الانتساب إليه، ولا تستطيع أن تجازيه؛ فهو سبب في وجودك، والله تعالى حين وصى بالوالد وصى به كونه متصفا بهذه الصفة، ولم يوص به لإحسانه إليك بأمر ما، ووالدك وإن كان أسلوبه في التعامل خاطئا فينبغي أن تحمله على الحرص على تربيتك، ولعل البيئة التي تربى عليها كان لها دور في ذلك.

والحمد لله أنك قد بلغت رشدك، وصرت متزوجا، قال تعالى في الوصية بالإحسان إلى الوالدين: (وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ۚ )، وقال: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ۖ وبالوالدين إحسانا)، ففي الآية الأولى عطف الله الإحسان إلى الوالدين على أعظم مأمور به، وهي عبادته سبحانه وتعالى، للتنبيه على أهمية حق الوالدين، وفي الآية الثانية عطف بر الوالدين على توحيده، وربنا جل في علاه أمر بالإحسان إلى الوالدين حتى ولو كانا كافرين، فقال: (وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ۖ وصاحبهما في الدنيا معروفا ۖ).

لا تجتر الماضي في حياتك الحاضرة، ولا تجعل الماضي يكبل حياتك، فتلك حقبة زمنية مضت وانقضت، واتخذ من الماضي الدروس والعبر، فإن كان والدك قد أخطأ فإياك أن تقع بنفس الخطأ.

انظر إلى مستقبلك، وعش حياتك بشكل طبيعي، وخالط الناس، وحقق مصالحك المشروعة، وصادق الخيرين، وفارق البطالين، فالصديق له تأثيراته السلبية والإيجابية في حياة الإنسان.

زيارتك لوالدك صلة للرحم، وهي قربة تتقرب بها إلى الله تعالى، فأخلص نيتك كما تخلص في صلاتك، وانس ما حصل من والدك، وبر به، واقض مصالحه، واطلب دعاءه ورضاه، وصله بالمال إن كان لك مالا، وعامله بما تحب أن يعاملك به أبناؤك، ولا تقابل الخطأ بخطأ أفدح وأشنع منه، وإلا فاعلم أن الجزاء من جنس العمل، والأمر كما قال أحد السلف -رضي الله عنه-: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم".

قد يكون الحياء هو ما يحجزك عن التحدث بين الناس، والحياء من الإيمان، وقد يكون عندك خوف، لكنك قادر -بإذن الله- على كسره، فبالتعود على التحدث بينهم، وبالممارسة ستعتاد على ذلك.

أكثر من تلاوة القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

الزم الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عيه وسلم- تزال همومك وكروبك، وتغفر ذنوبك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

أكثر من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وفي أوقات الإجابة، وسله سبحانه أن يذهب عنك ما تجده على والدك، وأن يفرج همك، وكن على يقين أن الله سيستجيب لك.

اعص نفسك الأمارة بالسوء، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم الذي يريد أن يوقعك في العقوق، فاعصه تسعد بإذن الله.

لا تعط نفسك أي رسالة سلبية، بل أعطها الرسائل الإيجابية، فالعقل يتبرمج على ما يعطى من الرسائل، وكن متفائلا على الدوام، فالتفاؤل خلق ممدوح كان يحبه نبينا عليه الصلاة والسلام.

الكثير من معاناتك بسبب تذكر الماضي الأليم في كل أحوالك، فإن ضحكت تذكرت فذبلت ابتسامتك، وإن أردت أن تنطلق تذكرت فتكبلت، وهكذا، فالعلاج إذا يكمن في نسيان أو تناسي الماضي، وعش الحياة الحالية ولا تعش الماضي.

لعل والدك بأمس الحاجة إليك في هذا العمر، فإياك أن تخذله، والله تعالى يقول: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)، وتمعن قوله: (إما يبلغن عندك)، أي هما عندك لحاجتهما إليك كما كنت أنت (عندهما) في حال صغرك.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يذهب عنك ما تجد، وأن يسعدك ويرزقك بر والدك إنه سميع مجيب.
_____________________________________

انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ عقيل المقطري -مستشار العلاقات الأسرية والتربوية -.
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
______________________________________

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أرى أنه أمر مفيد أنك تحدثت عن الصعوبات الشديدة التي واجهتها في طفولتك، هذا الذي ذكرته قطعا له قيمة نفسية، أنا لا أستطيع أن أنكرها، لأن معظم علماء النفس والسلوك أجمعوا على أن الخشونة الشديدة في التربية والتنشئة في مرحلة الطفولة لها تبعات سلبية على الصحة النفسية للإنسان مستقبلا.

هذه النظريات بالرغم من أنها نظريات غربية نحن نأخذ بها ونعطيها اعتبارا لدرجة كبيرة، لكن يجب أن تكون هنالك محاذير حولها، فمجتمعنا الحمد لله مجتمع متماسك، حتى وإن أخفق الوالد في دوره التربوي ربما تجد العم، ربما تجد الخال، ربما تجد الأخ الأكبر، وهكذا.

عموما الذي أريد أن أوصله إليك هو أن منهج والدك التربوي خاطئ، وقد يكون أثر عليك، لكن لا أريدك أبدا أن تتخذ ذلك مبررا لأن تملأ نفسك بالحقد على والدك، ولا أن تعطل حياتك الآن وتعيش تحت مظلة الخوف والرهبة والانحسار النفسي.

أنت الآن ما فقدته في طفولتك يمكنك أن تعوضه الآن، لأن الله تعالى قد حباك بالطاقات النفسية والجسدية والفكرية والإسلامية إن شاء الله تعالى، فأنت تستطيع أن تميز، وتستطيع أن تدرك، وتستطيع أن تضع نفسك في المسارات الصحيحة.

ويا حبذا لو أحسنت لوالدك، هذا سوف يكون أمرا عظيما بالنسبة لك، مهما كان موقفك منه إلا أن الأخذ بشيء من المبادرات الإيجابية من باب البر به سيعود عليك بأشياء عظيمة جدا من حيث التفكير، من حيث السلوك، من حيث الراحة النفسية، ويأتيك إن شاء الله من ذلك خير كثير.

إذا هذه هي الخطوة العلاجية الأولى، والخطوة العلاجية الثانية هي: لا تقبل الأعراض السلبية، ولا تقبل الفكر السلبي، ويجب أن تطرد المشاعر السلبية. الإنسان من خلال التأمل والتدبر الدقيق يستطيع أن يغير مشاعره، ويستطيع أن يغير أفكاره، وفوق ذلك يجب أن يغير أفعاله، لأن تغيير الفعل وأن نحوله من فعل سلبي إلى فعل إيجابي يعود علينا بالخير الكثير، ويساعدنا في تغيير المشاعر، لنحولها من مشاعر غير فاعلة ومشاعر سلبية إلى مشاعر فاعلة وإيجابية جدا.

أيها الفاضل الكريم: أريدك أن تكون لك رفقة وصحبة طيبة، فالإنسان مرآة أخيه، والإنسان إذا اختار الأخوة والصحبة الطيبة والصادقة والصالحة، ووجد من يأخذ بيده؛ فيه نفع نفسي كبير، وأيضا من ذلك: أن تصلي مع الجماعة، ويجب أن يكون هذا دائما هو موقفك، وتستطيع أن تتعرف على الكثير من الأخوة المصلين.

أنت جزاك الله خيرا ذكرت أنك لا تستطيع أن تصلي بالناس، لا تعتبر ذلك أمرا دائما أو ثابتا، لا، هذه المخاوف التي بك يجب أن تتخلص منها، وسوف نعطيك العلاج الدوائي الذي يساعدك على التخلص منها، لكن المهم هو أن تدفع نفسك نحو الإيجابيات، وتبتعد عن السلبيات.

بالنسبة للعلاج الدوائي: إن لم تستطع أن تذهب إلى الطبيب النفسي فيوجد دواء متميز مضاد للرهاب الاجتماعي، الدواء اسمه (زيروكسات CR)، ابدأ في تناوله بجرعة 12.5 مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم اجعلها خمسة وعشرين مليجراما يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 12.5 مليجرام يوميا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم 12.5 مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهرين، ثم تتوقف عن تناول الدواء، ثم 12.5 مليجراما كل ثلاثة أيام لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله. هو دواء مفيد وسليم.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات