الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي شديد العصبية ويضخم أخطاءنا وإن كانت صغيرة، فكيف نتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم.

أبي عصبي جدًا، ولا يمكنه أن يصبر على أتفه الأسباب، ويقوم بتصرفات كأنه يعلم كل شيء، ولا يخطئ، ويعيب على من يخطئ خطأً ولو كان بسيطًا، فمثلاً لو أوقعت قلمي غضب مني، ولامني كيف أسقطت القلم من يدي! ولكن عندما هو يخطئ، فإنه يعتذر بكمية أعذار حتى لا يظهر نفسه مخطئًا، وليس لدينا الحق إن كان لدينا عذر، ولا يرى إلا عيوب غيره، ويرى نفسه مثاليًا.

كما أنه يسبنا، ويتعمد إهانتنا لأسباب غبية لا تستحق الذكر أمام الضيوف أو الأقارب، ويستعرض مواهبه التي تعلمها من المدرسة من معلومات الجغرافيا والتاريخ، على ظنه أننا سنهتم.

وإذا قال شيئًا ولم نسمعه جيدًا، ثم نطلب منه أن يعيد، فإنه يضجر، لذلك أصبحت لا أعامل والدي جيدًا بسبب ما يفعل، وإنني لا أطيق أن أرى وجهه أو أسمع صوته لعدم تحملي ما يفعله.

باختصار: كيف يمكنني أن أتعامل مع هذا الأب؟ وأن تصبح علاقتي معه جيدة؟ وهل يحق لي أن أرد على والدي إذا أهانني أمام الناس بالشارع، أو أمام أقاربي، أو غيرهم، كأن أقول له إنك لست مثاليًا، وأنت تخطئ أخطاء أكثر غباءً منا؟

أحتاج لتوجيهكم خوفًا من أن تحدث مصائب بيني وبينه في المستقبل، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:

ابتداءً هناك قاعدتان هامتان:
القاعدة الأولى: البر بالوالدين -أخي الكريم- واجب شرعي، وإن أخطأ الوالد، أو أساء، فالإحسان إليه في الشرع ليس مقابل إحسانه إليك، بل مطلوب منك بر والدك على كل حال، وقد أمر الله ببره في آيات كثيرة ليؤكد هذا المعنى، فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء 23-24].

فأمر بالإحسان إليهما، ثم نهى عن إساءة الأدب معهما، أو إظهار أي تبرم أو تأفف {فلا تقل لهما أف}، أي: لا تؤذهما أدنى أذية، {ولا تنهرهما} أي: لا ترفع صوتك عليهما، {وقل لهما قولاً كريمًا} أي: لينًا، طيبًا، لطيفًا، بتأدب، واحترام، وإكرام، وهذا في كل ما يخصهما، حتى في المشي معهما، فقد رأى أبوهريرة ـرضي الله عنه- رجلاً يمشي خلف رجل، فقال: "من هذا؟ قال: أبي، قال: لا تدعُه باسمه، ولا تجلس قبله، ولا تمش أمامه".

بل وإن كانا مشركين، كافرين، يحضانك على الكفر بالله، فإنه واجب عليك عدم الطاعة في الكفر، مع الإحسان لهما في الحياة، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا}[لقمان: 15] فنهى عن طاعتهما في ما يأمران به من معصية الله تعالى، والإشراك به، ثم أمر بمصاحبتهما، ولو كانا يجاهدانه على الشرك.

وقد أخذ أهل العلم من هذه الآية أحكامًا تبين في جملتها: أهمية طاعة الوالدين، وقد سئل الإمام أحمد ـرحمه الله-: إذا أمره أبواه أن لا يصلي إلا المكتوبة؟ قال: يداريهما، ويصلي.

وقال أيضًا في رجل يصوم تطوعًا، فسأله أبواه، أو أحدهما أن يفطر: يروى عن الحسن أنه قال: يفطر وله أجر البر، وأجر الصوم إذا أفطر.

وقال في غلام يصوم، وأبواه ينهيانه عن صوم التطوع: ما يعجبني أن يصوم إذا نهياه، ولا أحب أن ينهياه، يعني -عن التطوع-.

وهذا كله دليل بين على عظم حقهم، ووجوب طاعتهم، مع الإقرار باختلافهم، وتباين مشاربهم.

القاعدة الثانية: أن حب الوالد لولده فطري؛ فلن تجد في الدنيا كلها من يحبك كوالديك، ولم تجد في الدنيا كلها من يقدمك على نفسه كوالديك، وغدًا -يا أخي- ستكون أبًا، وستدرك هذه الحقيقة جيدًا.

أخي الكريم: إننا ومع ما مضى نقر بأن أخطاءً كثيرة تقع من الآباء، فهم ليسوا أهل عصمة، وقد يكون كل كلامك صحيحًا، وقد يكون فيه مبالغةً، ولكن دعنا نفترض أن الوالد عصبي، وأنه يحقر من شأنك، وأنه يعاملك بقسوة، فما الواجب عليك فعله؟

1- البر بهما، والإحسان إليهما، مع احتساب الأجر عند الله.
2- ترك ما يكرهه منك حتى وإن كان مباحًا، إرضاءً له، والتماسًا لرضى الله عليك.
3- لا تدخل معه في أي جدال يؤدى إلى غضبه، وتذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا".
4- حدث شيخ المسجد الذي تصلي فيه أن يخطب خطبةً يكون فيها الوالد حاضرًا عن حسن تعامل الوالد مع أولاده، أو كلم أحد أصحاب والدك الكبار الصالحين الذين يحبهم الوالد، ويسمع منهم، عن أن يتحدث مع الوالد عن هذه النقاط دون أن يذكر له أنها شكوى.
5- أكثر من الدعاء له بالهداية، وصلاح الحال، وطول العمر، فما أشقى الإنسان -يا أخي- بعد رحيل والديه، ويمكنك أن تسأل من فقد أباه عن ذلك.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يصرف عنك كل سوء، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً