عاهدت الله ألا أعود للذنب ولكني عدت وابتليت بأمراض كثيرة، فما نصيحتكم؟

0 21

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

منذ أربع سنوات كنت في المرحلة الثانوية، وكنت أعصي الله بمشاهدة أفلام سيئة، وأمارس العادة السرية، فتبت إلى الله، ودعوت أني إذا نجحت ودخلت الجامعة فلن أرتكب ذنبا آخر، ولن أعود لتلك العادة، وعاهدت الله على ذلك، ودعوت أني لو عدت أن يبتليني بما شاء من الأمراض! ثم نجحت ودخلت الجامعة، ولكن الشيطان أغواني فنسيت عهدي مع الله، وعدت لتلك العادة القبيحة، وأتوب منها ثم أعود.

وظللت هكذا فابتلاني الله بمرض ارتجاع المريء، والتهاب القولون، والقولون العصبي، وبكتريا (هيلوبكترا)، وأخذت أدوية كثيرة دون نفع منها، وأظن أن مرضي نفسي أكثر منه عضويا، وأصبحت لا أستطيع أن أحضر المناسبات الكبيرة كالأفراح وما يشبه ذلك، وكذلك لا أقوى على الذهاب للامتحان، وكان ذلك سببا في رسوبي في السنة الأولى من الجامعة، وتكون الأعراض ترجيعا ورعشة ناتجة عن عدم قدرتي على الوقوف، ودوخة، وأظنها كلها أعراض القولون العصبي.

تناولت دواء (دوجماتيل) 50 مليجرام، ولكنه لم يجد نفعا، وأنا الآن في السنة الثالثة، وتذكرت أني عاهدت الله على ذلك، وأشعر أنه من العدل أن أصاب بما حدث لي، ولكني أتوب إلى الله وأتقرب إليه في جوف الليل، وأبكي بمجرد وقوفي بين يدي ربي سبحانه وتعالى، ولكن كيف السبيل للتكفير عما عاهدت الله عليه وأخلفت فيه؟ فأنا أشعر أن توبتي لا تقبل، وأيضا أنتكس وأعود للذنب، ولكني سرعان ما أتوب مرة أخرى، فكيف السبيل إلى الله؟

أعتذر عن الإطالة، ولكن لم أجد ملجأ بعد الله إلا إليكم، فأرجو أن تجيبوني يرحمكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أخي: من خلال رسالتك من الناحية النفسية أرى أن لديك بعض أعراض القلق النفسي، والتي تؤدي إلى أعراض جسدية مثل أعراض التهاب القولون أو تقلص القولون، وحتى ارتجاع المريء جانب القلق له دور في ذلك، كما أن الأعراض مثل الإصابة بالرعشة والخوف في المواقف الاجتماعية؛ كل هذا دليل على أنه لديك قلق أدى إلى تلك الأعراض.

أقول لك - أخي الكريم -: لا تقلق، أو اجعل هذا القلق قلقا إيجابيا يساعدك على الإنتاج وعلى الإبداع، وكن شخصا فعالا على مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمع، واستمتع بوقتك، وأحسن إدارته، ووجه القلق في المفيد.

القلق - أخي الكريم - يجب أن نجعله إيجابيا من خلال وضع الخطط للمستقبل، فما هي طموحاتنا وأهدافنا؟ وما الذي نريد الوصول إليه؟ وألا يكون الهدف على مستوى الأماني فقط، إنما يكون أقرب للواقع وللتطبيق، ومن خلال وضع الخطط الواضحة والجلية، وتختار أحسن الآليات لتصل إلى مقاصدك.

الحياة - أخي الكريم - متسعة ورحبة جدا وتنافسية، والتنافس فيها شديد، والإنسان لا بد أن يثبت ذلك ولا بد أن يسلح ذاته بالدين والعلم، وأعظم أسلحة يتسلح بها الإنسان سلاح الدين والعلم، وهي التي تفيد، وهي التي تبقى معك، فإن الله تعالى يقول: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11].

أريدك أن تحرص دائما على ممارسة الرياضة، وتجعلها وسيلة لامتصاص القلق السلبي وتحويله إلى قلق إيجابي، فإن الرياضة تفيد كثيرا جدا في الأعراض التي وصفتها.

وبالنسبة لموضوع العصيان والتوبة وأنك لا تستطع الثبات على توبتك؛ فهذا الأمر واضح وجلي، فالتوبة ينبغي أن يكون فيها إصرار وعزم وقصد وعمل وتنفيذ، وإصرار على فعل الخير، والعزم على ألا يعود الإنسان إلى الذنب. هذا هو المكون الفكري والنفسي للتوبة، فالتوبة تتطلب أعمالا، تتطلب أن تأخذ نفسك إلى بيئة صالحة، وأن تكون مع الصالحين من الشباب الطيبين المواظبين على صلواتهم، الذين يبرون والديهم ويحسنون إلى الضعفاء. التوبة لا تدعم إلا من خلال العمل، وليس بالأقوال فقط، أو بالفكر، إنما هي تطبيق عملي، وأنت يجب أن تنزل نفسك إلى واقع التطبيق، وأن تنقل نفسك إلى بيئة التوبة، وشروطها معروفه جدا، وسوف يفيدك في هذا أحد الإخوة المشايخ.

أرى - أخي الكريم - أن علامات الخير فيك كثيرة، والله تعالى حباك بنفس لوامة، والنفس اللوامة نفس طيبة ونفس تقود صاحبها إلى مرحلة النفس المطمئنة، وتغلق الطريق تماما على النفس الأمارة بالسوء.

بالنسبة للعلاج الدوائي: الـ (دوجماتيل) دواء لا بأس به، لكن ربما تحتاج لعلاج أفضل ليحسن مزاجك ويزيل عنك القلق والخوف، وأرى أن علاج (سيرترالين) والذي يعرف باسم (زوالفت) سيكون الأفضل، وأنت تحتاج له بجرعة بسيطة تبدأ بنصف حبة يوميا لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة كاملة - أي خمسين مليجراما - ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعلها نصف حبة يوميا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

هذا ما أنصحك به، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

=================================
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة د. عقيل المقطري مستشار العلاقات الأسرية والتربوية
=================================

فمرحبا بك -أخي الكريم- في موقع استشارات إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول:

من الخطأ قولك: (إن عدت للذنب فابتلني بما تشاء من الأمراض)، بل كان يكفيك التوبة النصوح، فإن ذلك الشرط قد يقع عليك كونك طلبته بنفسك، وهو يشبه قول ذلك الرجل الذي زاره النبي (ﷺ) في مرضه وقد صار مثل الفرخ فقال له رسول الله (ﷺ): (هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟) قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله (ﷺ): (سبحان الله لا تطيقه - أو لا تستطيعه - أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)، قال: فدعا الله له، فشفاه.

لا نستطيع الجزم بأن ما أصابك هو ناتج عن دعائك أو شرطك، وقد يكون حصل ذلك بتقدير الله تعالى عليك، و(ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء) والمرض العضوي يكتشفه الأطباء، ويمكن بإذن الله معالجته، فعليك أن تذهب للأطباء أصحاب التخصص الدقيق.

قد يتوب الإنسان من الذنب توبة نصوحا، وتكون توبته صحيحة، لكنه قد يضعف مرة أخرى فيقع في ذلك الذنب، ومن رحمة الله بعباده أنه يقبل توبتهم مهما أذنبوا، ومهما عادوا لذلك الذنب أو غيره، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: (إن عبدا أصاب ذنبا فقال: يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبا آخر، وربما قال: ثم أذنب ذنبا آخر، فقال: يا رب إني أذنبت ذنبا آخر فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر، وربما قال: ثم أذنب ذنبا آخر، فقال: يا رب إني أذنبت ذنبا آخر فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، غفرت لعبدي فليعمل ما شاء).

وثق صلتك بالله تعالى، واجتهد في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من العمل الصالح، وخاصة الصوم ونوافل الصلاة وتلاوة القرآن؛ فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97]

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة كما بين الأذان والإقامة والثلث الأخير من الليل، وسله أن يشفيك ويعافيك ويمن عليك بالاستقامة، واطلب الدعاء من والديك، وأكثر من دعاء ذي النون؛ فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله (ﷺ): (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي (ﷺ)، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال (ﷺ) لمن قال له: أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

لا تكثر التركيز على الأمراض، وتجاهلها وتناساها، فالتركيز عليها يفاقم من حالتك النفسية.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات