بعد أمي وأبي فقدت النور في حياتي، فكيف أتصبر؟

0 13

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

توفيت والدتي منذ شهر تقريبا، والسبب احتمال الإصابة بفيروس كرونا المستجد، أما والدي فقد توفى منذ سنوات طويلة.

لدي عدة أمور تؤرقني أتمنى إفادة حضراتكم فيها:

1- بعد وفاة أمي أشعر أني فقدت النور في حياتي، فبعدما عوضتنا عن فقدان والدنا في الصغر فقدتها هي أيضا، وأصبحت بلا أب ولا أم، لكن فقدان أمي كان الأصعب والأشد، وأشعر أنني انكسرت بعدها، وأظلم بيتنا، فقد غاب مصدر النور.

سؤالي: هل ستظل حياتي منطفئة، قديما كان لدي اعتقاد أن علاقة العبد بالله تغنيه عن أي أحد وكل أحد، وأن الله هو النور كما قال ـ تعالى- عن نفسه "الله نور السموات والأرض"، وقرآنه هو النور والروح كما وصفه ربنا في كتابه، فكنت قبل وفاة أمي متعلقة بالله وكتابه، وفعلا كانت حياتي سعيدة مليئة بالانشراح والسرور، لكن بعد وفاة أمي انقلبت الأمور فجأة أظلمت الدنيا في وجهي، وأقول كنت واهمة حين اعتقدت أن علاقتي بالله وبكتابه تغني عن أي فقد، واتضح أن الأم هي الشيء الوحيد الذي لا يعوض، الآن ماذا أفعل بعد فقداني لوالدي؟

2- بالنسبة لسبب وفاتها والمحتمل أنه فيروس كرونا المستجد أشعر بالألم والذنب بأنني قد أكون نقلت لها العدوى، فأمي كانت لا تخرج من المنزل مطلقا، إذا انتقلت لها العدوى من أحد منا، وأشك أنه أنا، لأنني في يوم خرجت من المنزل بدون كمامة، وبعدما عدت بساعات ظهرت أعراض كحة وترجيع على أمي، ثم توالت الأعراض، فأشعر أنني السبب، وهذا مؤلم لذا أشعر أن الله يعاقبني؟

أفيدوني تعبت وأتمنى الموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Noor حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك –بنتنا الفاضلة– في موقعك، ونسأل الله أن يرحم والدك والوالدة، ويرزقك برهم في حياتهم وبعد الممات، وأن يجعلنا جميعا ممن أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وأن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، هو ولي ذلك والقادر عليه.

بداية أرجو أن تعلمي أنك بحاجة إلى مزيد من التعلق بالله تبارك وتعالى بعد وفاة الوالدة، واعلمي أن التعلق بالله والارتباط بكتابه فيه الغنية وفيه الكفاية وفيه الخير الكثير، بل في ذلك مصلحة لوالديك، فأنت امتداد لعملهم الصالح بعد أن يدخلوا إلى قبورهم، وهكذا تمضي هذه الدنيا، فهي تجمع لتفرق وتفرق لتجمع، ولا يبقى على وجه الأرض منا أحد.

والإنسان ينبغي إذا مات له عزيز أن يتذكر أولا مصابنا بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم يتذكر أن الموت من الله تبارك وتعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}، ثم ندرك أيضا أن هؤلاء الأموات بحاجة إلى دعائنا وبحاجة إلى استغفارنا لهم وبفعل الأعمال الصالحة، خاصة من أبنائهم وبناتهم، فأنت امتداد لعمل والديك الصالح، فتعوذي بالله تبارك وتعالى من مثل هذه الوساوس، واعلمي أن الله تبارك وتعالى لا يسأل عما يفعل، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فعلينا أن نصبر، وعلينا أن نحتسب.

وتعوذي بالله من شيطان يريد أن يخرجك إلى دائرة عدم الرضا بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، وهذا لا يجلب لك سوى الأتعاب، لأن الأمر لله تبارك وتعالى، فمن رضي فعليه الرضا وأمر الله نافذ، ومن سخط فعليه السخط – والعياذ بالله – وأمر الله نافذ.

فأظهري رضاك بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، واعلمي أن الله الذي أخذ الوالدة سيعوضك بخالات وبصديقات، وسيعوضك بإيمان، سيسر لك أمرك، فكوني مع الله تبارك وتعالى، وازدادي تعلقا بالله وحبا لله تبارك وتعالى، واعلمي أن الابتلاء أيضا دليل على الحب، فيبتلى الإنسان على قدر دينه، وأكثر الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل، كما جاء في الحديث.

لذلك أرجو أن تجتهدي وتفهمي الفهم الصحيح حتى تنجحي في هذا الاختبار، وأعتقد أنه اختبار ليس بالسهل، لكن نسأل الله تبارك وتعالى لك الثبات والتوفيق والهداية إلى الصواب وإلى الحق، وتعوذي بالله تبارك وتعالى من أي كلمات تشعر بعدم الرضا بقضاء الله وقدره.

أما بالنسبة لموت الوالدة وكونك السبب لها – يعني نقل المرض - كما تظنين أو تتوهمين؛ فلا تلومي نفسك، فإن الأمر بيد الله تبارك وتعالى، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: ((فر من المجذوم)) أمرنا أن نأخذ الاحتياطات، فقال إذا ظهر الطاعون في بلد: ((فلا تدخلوا إلى أرض فيها طاعون)) وأمر بعدم الخروج من بلد ظهر فيه الطاعون، إلى غير ذلك من التوجيهات، وأيضا قال: ((لا عدوى ولا طيرة))، وقال: ((فمن أعدى الأول))، ومن معاني هذا الحديث الثاني: أن لا يشعر الإنسان أنه سبب في إصابة الآخرين، فحتى لو كنت أنت من نقل المرض فإن الإصابة بتقدير الله تبارك وتعالى، وإلا فقد ينقل الإنسان المرض إلى البيت وفي البيت خمسة، قد يصاب واحد ولا يصاب البقية، هذا الذي أصيب لماذا أصيب؟ لأن الله قدر له المرض.

فإذا الإصابة لا تنتقل بالعدوى وحدها، ولكن لابد مع العدوى من تقدير الله تبارك وتعالى، أن يكون قدر لهذا الإنسان الإصابة بالمرض. فلا ذنب عليك، ولا حرج عليك، وما حصل بقدر الله تبارك وتعالى، والأجل محدد ونحن في بطون أمهاتنا، فلا تلومي نفسك، وتعوذي من مثل هذه الأفكار السلبية التي يريد بها الشيطان أن يزيد من معاناتك ويزيد من ألمك، ويزيد من عدم رضاك بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره.

اعلمي أن الوالدة ماتت لما اكتمل أجلها، وكل إنسان منا سيخرج من هذه الدنيا لما تنتهي الأيام، سواء كان ذلك بسبب ظاهر أو بسبب غير ظاهر، سواء كان ذلك بمرض أو بغير مرض، فهذه هي المعاني التي ينبغي أن تكون واضحة أمامك.

واعلمي أن الوالدة حتى ولو لم تنقلي لها المرض ولو لم تخرجي من البيت ما كان أجلها سيزيد ساعة من الوقت الذي ماتت فيه، وهذه حقائق ينبغي أن تكون واضحة أمامك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على العودة إلى الصواب، ولا مجال للعودة إلى الصواب إلا بالعودة إلى وضوح الإيمان وفقه هذه الشريعة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها، فأكثري من الدعاء للوالدة، وأكثري لها من الاستغفار، وتوبي إلى الله تبارك وتعالى من أي أفكار سلبية تشم منها رائحة الاعتراض على قضاء الله تبارك وتعالى وقدره، وابحثي عن صديقات صالحات، وكوني مع كتاب الله تبارك وتعالى، وازدادي ارتباطا به وتعلقا سبحانه وتعالى، فالذي يجد الله ماذا يفقد؟ والذي يبتعد عن الله ماذا سيجد؟

نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات والهداية، ونسأل الله أن يرحم والدينا ووالديك وأمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات