كيف يكون أهل المعصية منعمون في الدنيا؟

0 12

السؤال

السلام عليكم.

أنا أعيش وأحس بفتنة شديدة تجعلني أشك في إيماني وتديني، فأنا أرى في أغلب الأحياء والمناطق الراقية من يركبون السيارات الفارهة ويعيشون أفضل حياة هم أكثر الناس بعدا عن الدين، فأغلبهم العلماني يشرب الخمور، ونسائهم متبرجات عاريات، ولا يمثل الإسلام لهم غير كلمة في شهادة الميلاد في حين المتدين والمحتشم مستواهم الاجتماعي في الطبقة المتوسطة بالكاد وأغلبهم فقراء فما تفسير ذلك؟

كيف ينصر الله فئة تفعل المنكرات وتجاهر بالمعصية؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا الفاضل وأخانا الكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يملأ قلبك بالطمأنينة والإيمان، وأن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر.

أرجو أن تعلم أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك ما سقي كافر منها جرعة ماء، ولذلك أرجو ألا تغتر بما في أهل العصيان من النعيم الظاهر، إلا أنهم في الحقيقة لا يعيشوا نعيما، فهم لا ينامون كما ينام غيرهم، ولا يسعدوا في هذه الحياة، وأهل المعصية لا يسعدوا بمعاصيهم، كما قال ابن القيم: (لا يستمتع العاصي بمعصيته إلا كما يستمتع الجرب بحك الجرب)، وما من شيء حرمه الله تبارك وتعالى إلا وله آثار نفسية وصحية خطيرة على الإنسان، وإذا ظهر لك من حياة هؤلاء أنهم سعداء فالأمر خلاف ذلك.

ونحب أن نقول أيضا: حتى لو حصلوا من النعيم وحصلوا من الأموال فإن الدنيا لا تزن جناح بعوضة، ولذلك ما رضيها ثوابا لأوليائه، ولا رضيها عقابا لأعدائه، ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي كافر منها جرعة ماء، فـ {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد}.

والإنسان المؤمن أيضا ينبغي أن يتفكر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة)، أو كما قال عليه صلاة الله وسلامه.

وأرجو أن تعلم أيضا أن الإنسان ينبغي أن يتعرف على النعم التي يتقلب فيها، وعليه أن يجتهد في تغيير المعاصي، فإنها سبب الانكسار وسبب ما يحل بالناس، قال العظيم: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.

وقد وقف يهودي أمام الحافظ ابن حجر وهو في أبهة، وقد كان قاضي القضاة، وهذه رتبة عالية، يمشي في حاشية يشبه الموكب، وكان اليهودي ممزع الثياب، يعني يعاني من الفقر والفاقة، قال له اليهودي: كيف تقول في حالي هذا وحالك هذا ونبيكم يقول: (الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن) مع ما أنا فيه من الفقر والفاقة ومع ما أنت في هذا الترف والاحتفاء الرفاهية – يعني إن صحت الكلمة – فقال له: "صدق رسول الله، أنت الذي فيه من المعاناة مع ما ينتظرك في الآخرة من النار فأنت في جنة، وأنا إن دخلت جنة الله فهذا الذي تراه من الرياش والنعيم كأنني في سجن، فما أعد الله لأوليائه لا يعادله شيء، الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" أو كما قال ابن حجر رحمه الله تعالى.

نسأل الله أن يعينك على الخير، ونحن أيضا لا نسلم لك بهذا، لأن هناك أتقياء أنقياء يعيشوا النعيم، ونعم الله مقسمة، والإنسان أيضا عليه أن يبذل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب، ويرضى بما يقدره الله تبارك وتعالى.

فاطرد عن نفسك مثل هذه الوساوس، واستعن بالله، واجعل همك أن ترضي الله، فإن الله تكفل بأرزاقنا، وخلقنا لعبادته، فلا نترك ما خلقنا لأجله إلى ما تكفل به، قال العظيم: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.

في جانب الرزق علينا أن نسعى، وبعد ذلك الذي يأتينا من الله نرضى به، قل أو كثر، لأن الذي يأت هو الخير، ومن الناس من هم فقراء لو أغناهم الله لأفسدهم الغنى، ومنهم العكس.

نسأل الله أن يفقهك، وأن يلهمنا جميعا السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات