السؤال
السلام عليكم.
أنا متزوج منذ ست سنوات، وأب لولد وبنت -والحمد لله-، وزوجتي أحيانا تحسن التعامل معي، وأحيانا لا، وترفع صوتها علي في معظم النقاشات بيننا، مما يدفعني للشجار معها، وحصول مشاكل، مع العلم أني حذرتها من قبل أن ترفع صوتها، ولكنها تتمادى.
المشكلة أنها ذهبت لأهلها لتقضي يوما عندهم، وقد وصلت الساعة 11 صباحا، ثم أرسلت لي رسالة في الساعة الرابعة عصرا بأنها ستبيت عندهم لمدة يومين، فرفضت لأننا في أيام عيد، وفي المساء اتصلت لأخبرها أني ذاهب لأخذها، لتستعد للعودة للبيت، فقالت إنها ستبيت عند أهلها، فقلت لها إني غير راض عن ذلك.
وكنت خلال اليومين أراسلها؛ لأطمئن عليها وعلى الأولاد، وأرسلت في نهاية اليوم الثالث: أعتقد حان الآن وقت الرجوع، فقالت: لن أرجع، ولن أدخل بيتك مرة أخرى، فسألتها عن السبب، فبدأت تعدد وتذكر أمورا ومشاكل سابقة تم التصالح فيها، مع العلم أنها عندما ذهبت إلى أهلها لم تكن بيننا أي مشكلة، وقد مر على مكوثها في بيت أهلها 15 يوما إلى الآن.
فما العمل؟ وما حكم الشرع؟ وماذا علي تجاه زوجتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الأخ الكريم- في الموقع، ونشكر لك اهتمامك وحرصك على السؤال، ونسأل الله أن يصلح زوجتك، ويهديها لأحسن الأخلاق، فلا هادي لأحسنها إلا هو.
لا شك أن ما فعلته زوجتك غير صحيح، ولكن ننتظر منك الحكمة في التصحيح؛ فالخطأ لا يعالج بالخطأ، إنما يعالج بالصواب والحكمة، ولذلك أرجو أن تتمهل في رد فعلك، وفي التصرف نحو ذلك، وأن تحاول أن تصمت يوما أو يومين حتى تبدأ هي بالبحث عنك، وحتى يتحرك العقلاء من أهلها، وكن هادئا إذا تواصلوا معك، وكلموك في شأنها؛ فأنت لم تقصر، وأعطيتها هذه الفرصة، وكونها تثير مشكلات قديمة تم التصالح فيها، وتم حلها، فهذا أمر معتاد في طباع النساء؛ لما فيهن من غلبة العاطفة، والتأثر بالماضي.
لذلك النبي ﷺ جعل الأمر بيد الرجل؛ كما قال ﷺ: ٱستوصوا بٱلنساء خيرا، فإن ٱلمرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في ٱلضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فٱستوصوا بٱلنساء خيرا (متفق عليه)، وهذا العوج (ليس نقصا) في إنسانيتها، وإنما هو جزء من طبيعتها العاطفية، والعاطفة تغلب عليها، لأنها تتأثر ربما بكلام غيرها، وتتأثر بأشياء قديمة، والمرأة قل أن تنسى المواقف السالبة بكل أسف.
لذلك أرجو أن تتحلى بالصبر والحكمة، وتطيل حبال الصبر، وأن تتصرف في الموضوع بمنتهى الحكمة، وإذا كان في أهلك (أخواتك) أو في أهلها من هو عاقل محبوب لديها، ويمكن أن يتكلم معها؛ فلا مانع من أن يتدخل للإصلاح إذا رأيتم ذلك، وهذا الشرط فيه أن تكون هي قابلة لهذا التدخل، وأن يكون هذا الداخل للإصلاح من العقلاء ومن الفضلاء.
وطالما بينكما أطفال، فإن من الحكمة أن تراعي هذا الأمر، وألا تسارع إلى اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى تصعيد لا تحمد عقباه، فالتهدئة والتروي أحيانا أبلغ أثرا من الكلام، وقد يكون صمتك ليوم أو يومين كافيا ليدفعها إلى التفكير مليا فيما يحدث، فتسأل نفسها: "ما الذي غيره؟ ولماذا التزم الصمت؟ وما الذي يفكر فيه، ويا ترى ماذا يريد"، حينها قد تدرك قيمة البيت، ومعنى الحياة الزوجية، وتشعر بالفراغ الذي خلفه صمتك، وربما تعبر عن ذلك بلسان حالها قائلة: "في الليلة الظلماء يفتقد البدر".
فإذا عادت إلى بيتها، فيسعدنا أن تتواصلوا معنا؛ لنضع معكم النقاط على الحروف، ونساعدكم في استكمال مسار الإصلاح.
لا شك أن رفع الصوت من المرأة أمر مرفوض شرعا، لكنه في الوقت نفسه لا ينبغي أن يقابل بردة فعل عنيفة؛ فالزوج الحكيم يدرك أن رفع الصوت ليس دليلا على القوة، بل هو في الغالب علامة ضعف واضطراب، وحتى من يصرخ ويجادل بصخب ليس بالضرورة أن يكون شجاعا؛ فالحكمة في ضبط النفس، وليس في علو الصوت، فكم من أسد صامتة ترهب دون أن تزأر، لذا، من المهم ألا تعطى المسألة أكبر من حجمها، ولا تفسر دائما على أنها تحد، أو إساءة متعمدة.
ومن جهة أخرى، فإن بعض النساء تكون نبرة صوتها مرتفعة بطبعها، وقد لا تقصد بها تحديا أو استعلاء، ومع ذلك، فإن رفع الصوت مرفوض شرعا، ويؤذي مشاعر الرجل، وربما يترك أثرا سلبيا في نفسه، ولهذا فإن التوجيه الهادئ أبلغ من الانفعال؛ فقولك مثلا: "لو سمحت، خفضي صوتك، أنا أسمعك جيدا"، أو حتى اختيارك للصمت، والخروج من المكان بهدوء، قد يكون كافيا لإشعارها بأنها تجاوزت الحد، ودافعا لها لمراجعة نفسها، والشعور بالخطأ.
إذا: من المهم أن نتخذ أسلوب التوازن والإنصاف وسيلة في علاج المشكلات الزوجية، فلا يجوز أن ينسيك خطأ عابر -كرفع الصوت مثلا- ما لدى زوجتك من صفات طيبة، ومحاسن كثيرة، لا تجعل هذا التصرف من زوجتك يغطي على الفضائل التي عندها، وقد أرشدنا النبي ﷺ إلى هذا المبدأ العظيم حين قال: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا، رضي منها آخر (رواه مسلم). ومعنى "لا يفرك" أي: لا يبغض ولا يكره.
فالحديث يحث الزوج على التسامح، وعلى أن يوازن في نظرته لزوجته بين ما يكره من صفات، وما يحب من خصال؛ فليس من العدل أن تلغى المحاسن بسبب خطأ أو تقصير، فالكمال لله وحده، والتغافل عن الهفوات باب من أبواب الحكمة والسعادة الزوجية.
ولهذا، فإن الإنسان لو تزوج أكثر من امرأة، لوجد في كل واحدة منهن مزيجا من الإيجابيات والسلبيات؛ فهذه تمتاز بصفات قد تنقص في الأخرى، وتلك لديها ما يحمد وما يؤخذ عليها، وهذه طبيعة البشر، فلا أحد يخلو من النقص، ولا أحد يكتمل له الجمال خلقا وخلقا.
فالاختلاف والتفاوت سنة من سنن الله في خلقه، والنجاح الحقيقي في الحياة الزوجية لا يكون بالبحث عن الكمال، بل في القدرة على موازنة الجوانب، وتقدير الإيجابيات، والتغاضي عن الهفوات، وهذا هو المعيار النبوي الذي ينبغي أن يصاحبك دائما في نظرتك لزواجك، وعلاقتك بزوجتك.
نسأل الله أن يجمع بينكما على خير وفي الخير.