السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا آنسة، أبلغ من العمر 24 عاما، من عائلة –والحمد لله– متوسطة وعلى قدر من التدين.
من الشائع والمحبب في عائلتنا تزويج البنت في سن مبكرة، فحين بلغت 18 عاما، بدأ الخطاب يتقدمون لي، وبفضل سمعتنا الطيبة بين الناس، تتابع الخطاب حتى يومنا هذا.
وقد خطبت مرتين، وكانت آخر خطوبة منذ حوالي شهرين فقط، وبعد انتهاء هذه الخطوبة بفترة قصيرة، تواصلت معي صديقة عزيزة لم نتحدث منذ مدة، وطلبت مقابلتي، وكان هدفها الحديث معي بشأن أخيها.
وقتها قررت أنني لن أقبل بأي ارتباط إلا بعد صلاة الاستخارة، خاصة أنني كنت قد خرجت من تجربة خطوبة سيئة جدا.
وبالفعل، تقدم الشاب لخطبتي، وهو شاب على خلق ويبدو جيدا، لكن العقبة كانت في أنه يرغب بأن تكون فترة الخطوبة سنة ونصفا، ووالدي يرفض طول فترة الخطوبة؛ بسبب كثرة المشاكل التي تحدث خلالها، فرفضه وانتهى الموضوع. فقلت: "هذه هي الاستخارة"، ورضيت بالأمر وسكت.
ولكن بعد 20 يوما من انتهاء الموضوع، جاءت والدته إلى منزلنا، وطلبت أن نعيد التفكير مرة أخرى، وأوضحت أن أي شاب يحتاج وقتا للاستعداد، وأنه بالفعل لا يستطيع التعجيل بالزواج بسبب ظروف شقته التي لن تجهز إلا بعد سنة ونصف.
لكن والدي لا يزال رافضا للأسباب التالية:
- طول فترة الخطوبة.
- أن مستواهم الاجتماعي أقل قليلا من مستوانا، وأنهم يحاولون التضييق على أنفسهم ماديا لشراء شقة، أو سيارة، ووالدي يرى أن هذا قد يتعبني لاحقا، لأنه قد يضيق علي في المعيشة ليتمكن من الادخار.
- أن شكل العريس غير مريح بالنسبة لوالدي، رغم أنني شخصيا مرتاحة له جدا، ولا أرى فيه ما يدعو للرفض.
الذي أعجبني في هذا العريس أنه يعمل منذ صغره، ويعتمد على نفسه كليا، ولا يتكل على والده.
أنا الآن في حيرة من أمري، صليت استخارة عدة مرات، وفي كل مرة لا يتم الموضوع، ثم يفتح مجددا بعد 20 يوما! وحاليا والدي يقول لي: "أنا غير موافق، لكن سأفعل ما ترغبين فيه".
فأنا في حيرة، ولا أفهم: هل هذا يعني أن الاستخارة كانت رفضا، أم ماذا؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
وحقيقة: نشكر للوالد هذا الحرص عليك، ونشكر لك أيضا ثناءك على الشاب المتقدم، ونحيي حرصكم جميعا، وحرص الأسرة على الالتزام بالجوانب الشرعية، ونسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.
لا يخفى عليك -ابنتنا الفاضلة- أن الفتاة هي صاحبة القرار، وهي المعنية الأولى بهذه المسألة، وصاحبة المصلحة، ونحن نرى أن هذا الشاب –الذي ترددت أمه، ويصر على أن يرتبط بك– شاب مناسب، لا سيما وقد وجدت معه ارتياحا وانشراحا وقبولا.
ولا نرى أن من المناسب أن تدخلي في مواجهة مباشرة مع الوالد، وإنما نوصي بأن يستعان ببعض المقربين من ذوي التأثير، كالعمات أو الخالات أو الأعمام، أو حتى أحد الدعاة أو أئمة المساجد ممن يحظى بثقة الوالد، فلو أمكن إشراك طرف يحسن التأثير عليه ويحسن عرض الأمر، لكان في ذلك خير كبير وسعي مبارك نحو إقناعه؛ لأن أهم ما يؤثر في نجاح الحياة الزوجية هو وجود الارتياح والرضا بهذا المتقدم، وهذا هو الجانب الأساسي في هذه المسألة، والوالد –كما ذكرنا– يشكر على أنه يريد لابنته أن تعيش في وضع معين، ولكن المعيار الحقيقي ليس في الجوانب المادية فقط، بل العبرة في التوافق الروحي، والميل المشترك، والانشراح والارتياح، والأمر كما قال النبي ﷺ: الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف [رواه مسلم].
وأنت أدرى بأقرب الناس وأكثرهم تأثيرا على الوالد، فإن كانت الوالدة موافقة، ورأيها من رأيك، فأرجو أن يكون لها دور في هذا الأمر، ونفضل أن يتولى الحديث غيرك في هذه المسألة؛ حتى لا تضطري الدخول في مواجهة مباشرة مع الوالد.
وقد أسعدنا بقوله لك: (أنا غير موافق، لكن سأفعل ما ترغبين فيه)، وهذا يدل على أن الموافقة ليست بعيدة، وأن الباب ما زال مفتوحا، لذا أرجو أن يبذل جهد طيب في هذا الاتجاه، ونسأل الله أن يجمع بينكما في خير، ويؤلف بين قلبيكما على طاعته ورضاه.
عموما: نشكر لك برك، ورعايتك لمشاعر الوالد، ولكن هذا لا يعني أن تغلق الأبواب، بل ينبغي السعي بالحكمة واتخاذ الحيل والوسائل والطرائق المناسبة التي يمكن أن تؤثر في قرار الوالد، ما دام الشاب مناسبا، وطالما كان حريصا، وكرر الطلب أكثر من مرة، ونسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.