السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زوجي شخص سيئ الطباع، وبخيل علي أنا وابنته فقط، بينما هو كريم جدا مع الناس، ومع أنه -ما شاء الله- غني، ولديه أملاك كثيرة، وعمله جيد جدا، لكن طبعه معنا هو البخل.
هو ليس بخيلا على نفسه، فقط علينا، وأنا متزوجة منذ سنتين، ولدي طفلة عمرها سنة ونصف، قبل الزواج لم يكن يظهر عليه كل هذا، بل كان شخصا مختلفا تماما، أما الآن فأشعر أنني لا أملك أي استحقاق، وكأنني مجرد خادمة له، يسيطر علي تماما، ولا يتركني حتى لأتنفس.
يريدني مكرسة فقط لخدمته، حتى الطفلة لا يساعدني فيها أبدا، لا يحملها ولا حتى لخمس دقائق، أطبخ وأنا أحملها على ذراعي، وإذا ناداني في أي وقت يجب أن أجيبه فورا، حتى لو كنت نائمة.
يوقظني من نومي ليطلب كوب ماء، لا يستطيع أن يقوم ليسقي نفسه، ولا أستطيع أن أنام إلا ساعات قليلة متقطعة، وأحيانا لا أنام إطلاقا، خصوصا عندما تكون الطفلة مريضة.
ومع ذلك لا يهتم إطلاقا بتعبي أو إرهاقي، ولو حاولت أن أشرح له أنني مرهقة، يتهمني بالتقصير ويقول لي: أنت السبب في عدم نومك! وهل أنت أول امرأة تحمل وتلد؟ فهل أترك طفلتي المريضة تبكي طوال الليل وحدها، لكي أنام وأقوم لخدمته؟
للعلم، هو مدير شركة، لكنه من النوع الذي لا يذهب إلى العمل، فقط يجلس في البيت، وراتبه يصله شهريا بانتظام، فأنا أعيش هذا العذاب على مدار 24 ساعة، وأنام بالكاد 4 ساعات متقطعة، وأنتظر أن ينام هو وطفلتي، حتى أستطيع أن أرتاح قليلا.
ورغم كل ما أقدمه له من طاعة واهتمام، لا يقدر أي شيء، وأحيانا لو تذمرت بسبب قلة النوم، يغضب ويصرخ ويقلب الدنيا رأسا على عقب، رغم أن الراحة والنوم من أبسط حقوق الإنسان.
سؤالي هو: هل صبري على هذا الابتلاء سيجازيني الله عليه؟ أم أنني فقط أهدر نفسي بلا مقابل؟
أنا صبرت وتحملت كل شيء من أجل ابنتي، وهو ليس سيئا جدا من جميع النواحي، لكن أسلوبه هذا يلغي أي شيء جيد يفعله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sadness حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في إسلام ويب، ونشكر لك صدقك وصبرك، ونسأل الله أن يفرج همك، ويجعل لك من أمرك يسرا، ويجزيك خير الجزاء على ما احتسبت.
لقد وصفت معاناة ترينها ثقيلة، لكن نقولها وبصدق: ما أنت فيه من معاناة أمر هين، بجوار ما يصل إلينا من شكاوى، بل إن آلاف النساء عندنا أقصى ما يتمنين أن تكون مشاكلهن محصورة في هذه النقاط، لا نقول لك ذلك لنهون مما أنت فيه، بل لنباعد بينك وبين تضخيم الشيطان للأحداث، فهذه بلية عظيمة يقع فيها البعض دون فهم.
الأخت الكريمة: إننا ندرك ما أنت فيه، ونرى أن ما يضاعف هذا الحمل عليك، أنك تفعلين كل ما بوسعك، وتجاهدين لتمنحي هذا البيت دفئا، دون أن تجدي التقدير أو الشكر، ومع ذلك فما فعلته من صبر وسعي ورضا، لن يضيع عند الله أبدا، قال الله تعالى: {والله يحب الصابرين}، وقال -سبحانه- أيضا: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
أولا: نعم، صبرك هذا عبادة: صبرك على الأذى، وتحملك لضيق النفس والبدن، واحتسابك للسهر والتعب والتهميش، كل هذا يكتب لك في صحائف عباد الله الصابرين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"
ثانيا: كيف تتعاملين مع هذا الواقع عمليا؟
1- ازرعي الحوار بينك وبينه: وذلك باختيار الوقت المناسب، والمواضيع المناسبة المحببة له، الحديث عنه ومعه بتقدير عال، فإن هذا مما يحبب الرجل في الحوار.
2- تعلمي فن إدارة الوقت: كثير من الضيق الذي يعتري القلب في مثل حالك لا يأتي من ضغط المسؤوليات فقط، بل من غياب الترتيب، وتراكم الأشياء، ولهذا، فإنك بحاجة إلى خطة بسيطة لإدارة وقتك بين الطفلة، وطلبات الزوج، والراحة النفسية، والخطة كالتالي:
- اكتبي جدولا ليومك في ورقة صغيرة: متى تنامين وتستيقظين، متى تطبخين، متى ترتاحين، حتى نصف ساعة خلوة مع نفسك.
- ثبتي موعد نوم الطفلة: وهو مفتاح الراحة الكبرى في يومك، اجعلي له روتينا ثابتا، مثل: حمام دافئ، غرفة مظلمة، حتى تنامي أنت أيضا بضع ساعات متصلة في الوقت الذي ينام فيه، ويمكنك أن تسألي الأمهات عن بعض الأساليب في ضبط إيقاع نوم الأطفال.
- خصصي لنفسك ساعة يومية -ولو مجزأة-، تستردين فيها طاقتك، يمكنك خلالها القراءة، أو التحدث لصديقة، أو تخصصينها في ذكر الله، المهم أن تكون لك لا لغيرك.
- كلما نظمت وقتك، زاد شعورك بالسيطرة، وقلت الفوضى النفسية التي تسبب هذا الإحساس بالإرهاق الدائم.
3. ضخمي إيجابيات زوجك: صحيح أن سلوكه في كثير من الجوانب مؤلم، ولكن العقل الناضج لا ينكر المعروف، ولا يعمي عينيه عن الخير بسبب الأذى، فمن الحكمة أن:
- تكثري من ذكر محاسنه في نفسك، مهما كانت قليلة: هل ينفق على البيت ولو في الحد الأدنى؟ هل يحرص على البقاء معكما؟ هل يحب ابنته؟ هل يصلي؟ اجعلي هذا وقودا نفسيا لك يخفف الحمل، ويجعل الأمل في التغيير ممكنا.
- حين تخبرينه بما يؤلمك، قدمي الكلام بإشادة، قولي: أعلم كم تتعب من أجلنا، وأشكر لك توفير كل ذلك لنا، ولكن أحتاج منك قليلا من الراحة لأقوم بواجبي أفضل مما أفعل.
- ادعي له ليلا وأنت صادقة: اللهم ألف بين قلوبنا، واهد طباعه، وافتح له أبواب الرحمة كما فتحتها لأيوب بعد البلاء.
أخيرا: ليس المطلوب منك التحمل فوق طاقتك، ولا أن تهملي حياتك النفسية، ولكن أن تحولي الضغط إلى خطة، والتعب إلى نضج، والزوج الصعب إلى مشروع إصلاح بالرحمة والصبر، واعلمي أن من صبرت، وربت، واحتسبت، فإنها مأجورة عند الله تعالى.
وفقك الله ورعاك، وكتب لك الخير، والله الموفق.