السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب عمري 17 سنة، أفكر كثيرا في المستقبل، ولا أعرف ماذا أريد، أو ماذا سأكون، وأمي ترغب بأن أدخل الطب، وتعتقد بأني إذا لم أدخله فلن يكون لي قيمة، وسأتزوج فتاة ليس لها قيمة، وأنا لا أعرف أصلا ماذا أريد أن أفعل؟
حاليا: أنا في فترة اختبارات الثانوية، وأشعر بأني مخنوق، ومتشائم بسبب أمي، وفي نفس الوقت لا أرغب أن أعمل في شيء لا أحبه، ولا أرغب أن أعمل في محافظتي نهائيا؛ لأنها ليست على قدر من التطور، وليس فيها فرص عمل، وهدفي في الحياة أن أعمل عملا أحبه، وأن يكفيني ماديا، وأن أتزوج زوجة صالحة، أحبها وتحبني؛ لأني أشعر باحتياج عاطفي؛ فكثيرا ما كانت أمي تضربني، وتنهرني، وبسبب ذلك لا أحبها، وأجاهد نفسي على برها قدر الاستطاعة، وأبي لا يهتم بنا، ولم ينصحني في هذه الحياة ولا في الدين نصيحة أبدا.
أرجوكم ساعدوني، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أتفهم تماما حجم الضغط الذي تمر به، والتحديات الكبيرة التي تواجهها في هذه المرحلة المهمة من حياتك، ومن الطبيعي جدا في عمر سبع عشرة سنة أن تشعر بالحيرة تجاه المستقبل، وخاصة مع تضارب الرغبات الداخلية، والضغوط الخارجية، ويزداد الأمر صعوبة مع كلام والدتك الذي يمس مشاعرك وقيمتك الشخصية.
إن شعورك بالاحتياج العاطفي نتيجة ضرب والدتك ونهرها، وعدم اهتمام والدك، هو أمر يؤلم النفس، ويؤثر على شعورك بالأمان والثقة بالنفس، وتذكر أنك لست وحدك من يمر بهذه المشاعر؛ فكثير من الشباب يعيشون صراعات داخلية مشابهة مع أهلهم، وجهادك لنفسك في بر والدتك رغم كل ما يصدر منها، هو دليل على قوة إيمانك، ونبل أخلاقك، وهذا بحد ذاته جهاد كبير يؤجر عليه المسلم؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد"، وهذا يشمل السعي لبرهما حتى لو كان الأمر صعبا.
يا بني، إن تحديد مسارك المهني في هذه السن لا يزال في بداياته، وكثير من الناجحين لم يكتشفوا شغفهم إلا بعد سنوات، فلا تضغط على نفسك لتعرف كل شيء الآن، والمهم هو أن تبدأ رحلة البحث والاكتشاف.
• فكر في المواد الدراسية التي تستمتع بها حقا، حتى لو لم تكن متفوقا فيها بالضرورة.
• ما هي الهوايات التي تجذبك؟ هل تحب القراءة، الكتابة، الرسم، حل المشكلات، التعامل مع الناس، العمل اليدوي، التكنولوجيا؟
• ما الذي يشعرك بالحيوية والنشاط عندما تفعله؟
• حاول قراءة المزيد عن مجالات مختلفة، وشاهد فيديوهات توضيحية عن طبيعة العمل في مهن متنوعة، قد تكتشف اهتماما لم يخطر ببالك.
• تحدث مع أشخاص يعملون في مهن مختلفة، اسألهم عن طبيعة عملهم، وتحدياته، ومميزاته.
• أما بالنسبة للتعامل مع والدتك، فأنا أفهم أن كلمات والدتك عن الطب، وقيمتك الشخصية، وزواجك مؤلمة جدا، ولكن تذكر أن هذه الكلمات غالبا ما تنبع من خوفها عليك، ورغبتها في رؤيتك في مكانة عالية تعتقد أنها الأفضل لك، حتى لو كانت تعبر عن ذلك بطريقة خاطئة ومؤذية.
• حاول أن تتحدث معها بهدوء، ولو مرة واحدة، موضحا أنك تقدر اهتمامها، لكنك تحتاج لمساحة لاكتشاف نفسك، ويمكنك أن تقول: "أمي، أنا أعرف أنك تريدين مصلحتي، وأنا أحترم رأيك، لكني ما زلت في مرحلة اكتشاف ما أحبه، وأبرع فيه، أحتاج لدعمك لأجد طريقي".
• لا تجعل كلامها يهز ثقتك بنفسك؛ فقيمتك الحقيقية ليست مرتبطة بشهادة أو وظيفة، بل هي في إيمانك، وأخلاقك، وسعيك لرضا الله.
• أما بخصوص شعورك بالاحتياج العاطفي، ورغبتك في الزواج من زوجة صالحة: فهذا أمر فطري وطبيعي؛ فالزواج سكن، ومودة، ورحمة، وهو من سنن الأنبياء والمرسلين.
• لا تقلق بشأن الرزق؛ فالله هو الرزاق ذو القوة المتين، فاجتهد في الدراسة، واسع لتعلم ما تحبه، وتوكل على الله، قال تعالى: "وفي السماء رزقكم وما توعدون"، وتذكر أن بركة الرزق ليست في كثرته فحسب، بل في الكفاية والرضا به.
• تذكر أن الزوجة الصالحة رزق من الله عندما يحين الوقت المناسب، ومع سعيك للرزق الحلال، والالتزام بدينك وأخلاقك، سيرزقك الله بمن تقر بها عينك، ولا تجعل كلام والدتك عن "فتاة بلا قيمة"، يدخل إلى قلبك، ويؤثر على نظرتك لنفسك، أو للزواج؛ فالمرأة الصالحة تجدها في البيئات الصالحة، ومن خلال السعي الحلال، والتوكل على الله.
• رغبتك في العمل بعيدا عن محافظتك بحثا عن فرص أفضل، وتطور، هي رغبة مشروعة، وطلب العلم والرزق مشروعان في الإسلام، بل إن الهجرة في طلب العلم والرزق كانت سمة من سمات سلفنا الصالح، فلا تضع هذه الفكرة جانبا، بل اجعلها هدفا تسعى لتحقيقه بالاجتهاد في دراستك.
•الصلاة والقرآن هما ملاذك الأول، وفي السجود ادع الله بقلب منكسر أن ييسر لك أمرك، ويرشدك لما فيه خيرك، وقراءة القرآن تريح النفس، وتملؤها سكينة.
• أكثر من الدعاء، وخاصة في أوقات الإجابة: بين الأذان والإقامة، في الثلث الأخير من الليل، وفي السجود، وادع الله أن يفتح بصيرتك لما تحبه وتبرع فيه، وأن يرزقك الخير حيثما كان.
• استغفر كثيرا؛ فالاستغفار يفتح الأبواب، ويفرج الهموم، قال تعالى: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا".
• تحدث مع أشخاص تثق فيهم من خارج نطاق أسرتك، كمعلم تثق به، أو شيخ مسجد، أو صديق ناضج؛ فقد تجد عندهم نصيحة أو توجيها.
• حتى لو لم تكن تحب الطب، فاجتهد في الثانوية العامة قدر استطاعتك؛ فالدرجات الجيدة تفتح لك أبوابا وخيارات أكثر، حتى لو لم تكن كلية الطب، اجعلها وسيلة لتحقيق هدفك في اختيار ما تحبه.
• "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، لا تستسلم للمشاعر السلبية، بل استثمر وقتك في البحث، والتعلم، وتنمية ذاتك.
تذكر دائما أن الله سبحانه وتعالى قريب ومطلع على حالك، لا تيأس من روحه ورحمته، "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا"، هذه المرحلة قد تكون صعبة، لكنها ستصقل شخصيتك، وتجعلك أقوى، فاجعل توكلك على الله هو أساس حياتك، وسترى كيف ييسر الله لك الأمور، ويفتح لك الأبواب من حيث لا تحتسب.
أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، وينير بصيرتك، ويرزقك الزوجة الصالحة، والعمل الذي تحبه ويرضاه، وأن يرفع عنك كل هم وغم، وأن يملأ قلبك بالسكينة والرضا، كن واثقا بنفسك وبقدراتك، فالله قد أودع فيك خيرا كثيرا.
والله الموفق.