السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الفاضل، جزاكم الله خيرا على وقتكم، وأسأل الله أن يجزيكم عن المسلمين كل خير.
أنا شاب أعاني من ذنب متكرر أثقل قلبي، وهو مشاهدة المحرمات، رغم أني أكره هذا الفعل، وأبكي بعده، لكني أضعف في كل مرة، فأرجو منكم كلمة صادقة، أو نصيحة إيمانية تقوي قلبي، وتعينني على ترك هذا الذنب.
والله يعلم أنني أريد التوبة والنجاة، لكنني بحاجة لمن يأخذ بيدي، ويعينني بنصح صادق، فأنا أشعر باليأس أحيانا، وأريد أن أرجع إلى الله من كل قلبي، أرجو ألا تتركوني بلا رد.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ...... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أيها -الأخ الكريم- في موقع إسلام ويب، ونسأل الله أن يجبر كسر قلبك، ويعينك على طاعته، ويطهر بصرك، ويملأ فؤادك نورا وإيمانا.
ألا ما أعظمها تلك كلمات التي قلتها: "أبكي بعد الذنب، وأكره المعصية، وأريد التوبة والنجاة"، هذه شهادة من قلبك بين يدي الله، أنك ما رضيت بهذا الذنب، وأن نفسك ما صالحت الحرام، بل تألمت، وتوجعت، فاعلم أنك في طريق التوبة بالفعل، ولكنك تحتاج إلى من يوقظ القوة في داخلك، فاسمعها من القلب، واسمعها صادقة:
أولا: ذنبك عظيم، لكن ربك أعظم، نعم، هذه المعصية تمس أغلى ما في القلب: النظر، والبصر هو طريق إلى الفواحش، وقد قال النبي ﷺ: "العينان تزنيان، وزناهما النظر"، لكن اعلم أن التائب من الذنب، والصادق في توبته يعود أنقى مما كان، ويحبه الله، ويبدل سيئاته حسنات، لقوله تعالى: ﴿إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا، فأولٰئك يبدل الله سيئاتهم حسنات﴾، فكيف تيأس وقد قرأت هذه الآية، وعلمت فيها كيف هي رحمة ربك!
ثانيا: الشيطان يغويك ليقنطك؛ فهو لا يريد منك فقط أن تقع في المعصية، بل أن تيأس بعدها، وأن تظن أنه لا طريق للرجوع، قال أهل العلم: "ومن فقه التوبة أن يعلم العبد أن الذنب لا يوجب القنوط، وأن التائب الصادق يحبه الله، ولو تكرر الذنب منه؛ ما دام يجاهد ويستغفر"، فلا تجعل لحظة ضعف تهدم عمرك كله، بل قل: اللهم إني عبد ضعيف، لكني أحبك، فلا تحرمني قربك.
ثالثا: لا تعالج النار بالحزن، بل بالماء البارد: (الإيمان + المجاهدة)؛ فالحزن على المعصية شعور نبيل، لكنه لا يكفي، ولا بد من أفعال تطفئ نار الذنب، وهذه خطوات عملية نرجو أن تطبقها من قلبك:
1. اقطع الوسائل فورا؛ واحذف كل تطبيق أو حساب أو رابط يجرك إلى هذا المستنقع، ولا تفاوض نفسك، بل اقطع الشر من جذوره.
2. اجعل لك صحبة صالحة تراقبك وتحاسبك؛ بحيث تحدث أخا تثق به، واطلب منه أن يسألك عن التزامك؛ فالعزلة باب كل فتنة، والصحبة باب النجاة.
3. عوض البصر بما يطهر القلب؛ بأن تقرأ القرآن يوميا، ولو صفحة، وشاهد مقاطع تذكيرية توقظ فيك الخشية، واحفظ أدعية، وذكر بها نفسك كل يوم.
4. اجعل لك وقتا ثابتا في اليوم تحاسب نفسك فيه، واكتب ذنوبك كل يوم على ورقة، وراجعها قبل النوم؛ فهذا يبقيك في حالة وعي، ويذكرك أن الله لا ينسى.
5. أكثر من الدعاء في السجود، وقل دائما: "اللهم طهر بصري، واغفر زللي، واستر عيبي، واجعلني من أهل طاعتك وخشيتك."
رابعا: لا تكن ابن لحظة، بل كن ابن هدف؛ فمن أعظم أسباب الانتكاس: أن يعيش الإنسان بلحظة رغبة فقط، ولكن المؤمن يعيش لهدف: أن يرضى الله عنه، ويصل إلى جنته.
وتذكر:
- كم دمعة ذرفتها بعد الذنب؟
- كم مرة قلت: "لن أعود"؟
- كم مرة أحسست أنك غريب عن نفسك بعد المعصية؟
كل هذا دليل أن الله يحبك، لكنك تحتاج إلى مجاهدة صادقة، وخطة عمل صائبة.
قم، وانهض، ولا تتأخر عن باب فتح لك.
نسأل الله أن يصرف عنك السوء والفحشاء، وأن يطهر بصرك وقلبك، وسرك وعلانيتك، وأن يبدل خوفك أمنا، وحزنك فرحا، وضعفك قوة.
والله الموفق.