الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بقسوة القلب ولم أعد أتوب كالسابق، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بدأت مشكلتي عندما كنت في سن صغيرة جدًا؛ لدرجة أني لا أذكر سني حينها، كنت أشاهد أنمي (فلم كرتون) مشهور مع أخي الأكبر على الشاشة، وإذ بلقطة مخلة تظهر فجأة لجزء من الثانية، علقت هذه اللقطة في مخيلتي، وصرت أراها في يقظتي وحلمي، وصرت أحلم بأحلام غريبة لا أفهم ما يحدث فيها، واستمررتُ على هذا الحال عمرًا دون أن أُصرّح لأحدٍ بما أرى، فعلمت من التوعية الدينية التي تعرضت لها أن تخيل الحرام والتفكير فيه أصلًا حرام.

بمجرد أن علمت بذلك اجتمعت في مدرستي بزملاء دراسة ليس في واحد منهم تدين، كنت الوحيد فيهم الذي لا يسب أو يلعن، ولا يعلم ما الإباحية؛ وبسبب اختلاطي بزملاء دراستي الفاسدين انحرفت معهم، وشاهدت مقاطع إباحية صدمت منها؛ لأنها شابهت أحلامي الغريبة التي حلمت بها منذ سنوات، ومن وقتها إلى يومنا هذا وأنا أتردد على التوبة والإقلاع عن الإباحية والأنمي، وحتى اليوم بين شدة الاجتهاد في الطاعة، ثم إلى أشد الانتكاسات!

إنني منذ بضعة أشهر، قد غلبتني نفسي، فلم أعد أتوب، ولا يخالطني ندم شديد ولا بكاء، ولا أعلم ما بي! فأعود إلى الذنب مرةً بعد مرة، فقد قسا قلبي، وغلبت نفسي إيماني!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد المعبود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يطهر قلبك، وأن يحصن فرجك، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر.

أخي: إن ما تشاهده من حرام ليس مجرد صور عابرة، أو لحظات لذة زائلة، بل هو سهم مسموم يُصيب قلبك فيُقسيه، ويحجبك عن لذة الطاعة، ويقطعك عن مناجاة الله، أخطر من ذلك أن ترى نفسك تقع في المعصية ولا يضطرب قلبك، ولا تنزل دمعتك، وكأن الذنب صار عادة لا تستنكرها، فاعلم أن هذا البلاء أعظم من الذنب نفسه؛ لأن موت الإحساس بالذنب هو موت للقلب، قال بعض السلف: "المصيبة كل المصيبة أن يُبتلى العبد بالذنب ثم يُسلب لذة الندم".

يا أخي، أما تخاف أن يأتيك الموت فجأة وأنت على هذه الحال؟ أما تخشى أن تُقبض روحك وأنت غارق في النظر الحرام، فتُعرض على الله في موقف الخزي والعار؟ أما تتفكر في قبرك، وفي أول ليلة فيه، حين يُترك الجسد وحيدًا لا يؤنسه إلا عمله؟

تب إلى الله قبل أن يقسو قلبك أكثر، واعلم إنك لو صدقت في توبتك، فإن الله أرحم بك من أمك وأقرب إليك من نفسك، هو القائل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53]، أي ذنب هذا الذي لا يغفره الله؟ وأي عيب هذا الذي يستحي العبد أن يواجه به ربّه، والله -جل جلاله- يقول: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}؟

بادر -يا أخي-، لا تؤجّل، ولا تقل غدًا أتوب، اليوم قبل الغد، والآن قبل بعد قليل، قم فاغتسل، وصلّ ركعتين، وارفع يديك وقل: "يا ربِّ، ضعفي قد غلبني، فارحمني، واغفر لي، واصرف عني هذا البلاء"، ستجد أن الله يفتح لك بابًا لم يخطر ببالك، ويُلين قلبك بعد قسوته، ويُبدل وحشتك أنسًا ونورًا.

واعلم أن الإباحية ليست مجرد "ذنوب نظر"، بل هي عادة تُضعف الإرادة، وتُميت القلب، وتُؤثر على علاقتك بربك وبمن حولك، وقسوة القلب التي تذكرها هي أثر مباشر للإصرار على المعصية، قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} [البقرة:74]، لكن الله -جلّ وعلا- قادر أن يُلين قلبك بالتوبة والذكر والرجوع، ولو بعد مئة انتكاسة.

- خطوات عملية للخلاص:
أ. إغلاق أبواب الذنب: ضع حواجز تقنية: برامج حجب، كلمات سر لا تعرفها أنت وتضعها مع صديق موثوق، حذف الحسابات أو المنصات التي توصلك إلى الإباحية والأنمي المثير، غيّر الروتين: لا تكن وحدك مع الهاتف أو الكمبيوتر في غرف مغلقة، الوحدة وقود الشهوة.

ب. بناء بدائل نقيّة: اشغل وقتك بمشاريع أو هوايات عملية (رياضة، تعلم مهارة، قراءة نافعة)، استبدل ما كان يثيرك بمحتوى نقي ممتع.
ج. التوبة وتجديد العهد: لا تنتظر أن "تشعر بالندم العاطفي"، بل بادر بالفعل: توضأ، صلّ ركعتين توبة، وادع الله أن يقبل، الندم يأتي مع الصدق مع الزمن، اجعل لك وردًا يوميًا من القرآن ولو صفحة واحدة، فهو يرقق القلب.
د. الصحبة: ابتعد عن أي صديق أو مجموعة تسهّل لك الوصول إلى الحرام، ابحث عن صديق صالح، أو التحق بمجموعة نشاط أو درس مسجد، وجود الصحبة النقية مهم.

هـ. علاج قسوة القلب: أكثر من الدعاء: "اللهم مصرف القلوب صرّف قلبي إلى طاعتك"، "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، اجلس مع نفسك في لحظة صفاء، وتفكّر في الموت والقبر والآخرة، القلوب تلين حين تتذكر المصير، أكثر من الصيام؛ فهذه وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك، الصدقة ولو قليلة (كل أسبوع أو شهر) تُطهّر القلب.
و. أبشرك: قسوة قلبك لا تعني أن الله قد طردك؛ بل هي إنذار لك لتستيقظ، ما دمت تشعر بالضيق من حالك، وتبحث عن الخلاص، فأنت أقرب للتوبة مما تظن.

نصيحة أخيرة: لا تنتظر الكمال، كلما وقعت فتب، ولا تيأس، مع الوقت ومع الأخذ بالأسباب العملية، ستجد أن انتكاساتك تقلّ وتضعف، حتى يطهّر الله قلبك ويثبتك.

نسأل الله أن يثبتك على الحق، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً