الديون وقلة الرزق، هل هي من الابتلاء؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

استخرت الله في الذهاب لبلد معين، بقصد العمل عن طريق شخص، -ولله الحمد- لم أوفق بالشخص، ولم أوفق بالعمل بهذا البلد، وزاد تعسر أموري بشكل أثقل كاهلي، وشاب شعري، حتى أني تجاوزت الثلاثين، فقررت الزواج بعد استدانة مبلغ من المال من أحد الأشخاص، ولم أستطع حتى وفاء المبلغ، أحاول جاهدا بكل ما بوسعي، لكن ينتهي كل شيء بالمرحلة الأخيرة.

منذ سنوات وأنا أدعو الله عند الصلاة وقيام الليل، لكن أجد تعسيرا في أمور حياتي كثيرا! فهل صحيح أن هناك من كتب عليهم الفقر مهما فعلوا؟ ما نصيحتكم؟ وأريد أن تدعوا لي بالتفريج أكثر من طلبي للنصيحة، وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فايز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن ييسر أمورك ويقضي حاجاتك، ويغفر ذنوبك.

نحن نتفهم مدى الضيق الذي تعيشه -أيها الحبيب- وهذا أمر طبيعي عادي، ولكن ما نحب أن نلفت انتباهك إليه -أيها الحبيب- أن الإنسان في هذه الحياة مختبر ومبتلى، والابتلاء قد يكون بالخير، وقد يكون بالشر، وقد يكون بالغنى، وقد يكون بالفقر، والله تعالى لطيف بعباده، رحيم بهم، يقدر لهم ما فيه الخير، ويسوق إليهم ما فيه نفعهم وإن كرهوه، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة: 216).

وقد جاء في بعض الآثار الإلهية أن الله تعالى يقول: "إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك" [رواه البغوي ونقله عنه الإمام ابن القيم في كتابه عدة الصابرين].

فهذا الحديث ونحوه كثير في الآثار، يبين أن الله -سبحانه وتعالى- يفعل بالعبد ما هو خير له وأصلح، فكن راضيا بقضاء الله تعالى وقدره، وموقنا بأن الله تعالى يدبر أمرك ويصلح ما يجلب لك الخير في دنياك وآخرتك، ولكن أنت مأمور بالأخذ بالأسباب، فإنك لا تدري ما الذي قدره الله تعالى لك في اللوح المحفوظ، إنما كلفك الله تعالى بالعمل بالأسباب.

فخذ بأسباب الرزق، ولا تيأس، ولا تضجر، ولا تمل، فإنك لا تدري متى يأتي فرج الله تعالى، فلو قدر أنك أخذت بالأسباب، ومع ذلك لم يكتب الله تعالى لك سعة في الرزق، فإن الله تعالى سيأجرك على صبرك، ولن يضيع جهدك وتعبك سدى، فإنك مأجور عليه في الآخرة.

واعلم أن من ابتلاه الله تعالى بالقلة في هذه الدنيا، فإنه يعوضه في الدار الآخرة إذا هو استقام على أمر الله، ولذلك كان ابن عمر يقول: "استقل من الدنيا أو استكثر، فإنما تأخذ من كيسك"، والفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، أي يتمتعون في نعيم الجنة هذه المدة قبل دخول الأغنياء تعويضا لهم عما فاتهم في دنياهم.

فالله تعالى حكم عدل، كن راضيا بقضاء الله واختياره لك، ولكن هذا لا يعني تركك للأخذ بالأسباب، ومن هذه الأسباب -أيها الحبيب- كثرة التوبة والاستغفار، وقد أخبرنا الله في كتابه عن أثر التوبة والاستغفار: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} (نوح: 10–12).

ومن الأسباب تقوى الله، أن تؤدي فرائض الله تعالى وتجتنب ما حرمه عليك، فإنه قد قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} (الطلاق: 2–3)، ومن الأسباب الأكيدة صدق التوكل على الله تعالى، كما قال سبحانه: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق: 3).

ومنها صلة الرحم، فمن أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه، كما قال النبي ﷺ: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه.

ومن هذه الأسباب كثرة الدعاء، فإن الدعاء من أعظم الأسباب المؤدية إلى النتائج، وشكر الله تعالى على ما أعطاك وإن كان قليلا؛ فإن هذا الشكر سبب لقلب النعم المفقودة، كما قال الله تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} (إبراهيم: 7).

فهذه الوصايا -أيها الحبيب- خذها مأخذ الجد، واحرص على تنفيذها والعمل بها، وتفكر دائما في من هم أقل منك من هذه الدنيا، فأنت سليم في جسدك وغيرك مبتلى بأنواع الأمراض، أنت آمن وغيرك خائف مفزع، أنت في أسرتك وغيرك مشرد في الأوطان والبلدان، فدائما التذكر والتفكر في شأن من هو أقل منك في الدنيا يبعثك على الرضا بما أعطاك الله، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: انظروا إلى من دونكم، ولا تنظروا إلى من فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات