السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب، أعاني من الوسواس القهري منذ أكثر من ستة عشر عاما، ومع أنني أحرزت تقدما عبر السنين، إلا أن حالتي ازدادت تعقيدا مؤخرا، قبل نحو ثلاث سنوات تبت توبة صادقة، وبدأت ألتزم بالصلاة وقراءة القرآن والأذكار، والمواظبة على صلاة الجماعة يوميا، وشعرت براحة كبيرة بفضل الله، لكن مؤخرا عادت وساوسي القديمة، خاصة وسواس النوم، حيث تراودني أفكار مخيفة مثل: ماذا لو لم أنم؟ ماذا لو مرضت أو مت؟، ويصيبني ذعر ونوبات هلع.
رغم أن الأطباء وأصحاب الخبرة طمأنوني بأن الإنسان لا يموت بسبب قلة النوم، وأن النوم حاجة فسيولوجية، والجسم سينام تلقائيا إذا احتاج، إلا أنني أجد صعوبة في تجاوز هذه الوساوس، ويزداد الوضع سوءا عند اقتراب الفجر، فأحيانا أطفئ المنبه لتفادي الاستيقاظ وصعوبة العودة للنوم، مما يؤدي لفوات الصلاة، ثم أشعر بندم شديد واكتئاب.
أشعر أنني عالق في دوامة من الوساوس والذعر والحزن، وهذا يؤثر على عبادتي التي أحب، أكتب إليكم لأنني لا أجد من أتكلم معه بصراحة دون أن أضر نفسي.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا جزيلا على رسالتك عن مشكلتك مع وساوس النوم، وأود أن أهنئك على ما ذكرته في بداية رسالتك، بخصوص التوبة الصادقة، وعزمك العودة إلى الصلاة، وقراءة القرآن، والمحافظة على الأذكار، وهذا أمر إيجابي جدا، وكان له أثر كبير في التخلص من الوساوس السابقة، وهذا التوجه الإيماني هو في ذاته محفز لك على الاستمرار في الطريق الصحيح، حتى تتجاوز أيضا الوساوس الجديدة، ومنها ما يتعلق بمشكلات النوم.
فيما يخص صعوبات النوم، فقد ذكرت في رسالتك أنك دخلت في ما يسمى بـ"الدوامة المفرغة"، وهي أن تبدأ الوساوس بشأن عدم قدرتك على النوم، وتأتيك أفكار مخيفة، مما يمنعك من النوم، وكلما تأخرت عن النوم زاد القلق والخوف، وبالتالي تزداد صعوبة النوم أكثر فأكثر، مع أن النوم -كما ذكرت- هو عملية فسيولوجية تلقائية يقوم بها الجسم ليستعيد طاقته، إلا أن التفكير الزائد والوساوس قد تعيق هذه العملية، لذلك فإن أول خطوة مهمة هي إيقاف هذه الوساوس، والتي تبدأ غالبا من "الفكرة"، ثم تنتقل إلى "الشعور"، ثم إلى "السلوك"، والسلوك هنا يشمل كل ما نقوم به، والذي قد يساعد منعك من النوم.
عادة، صعوبات النوم كثيرة ولها أسباب متعددة، وليس من الضروري أن تكون ناتجة عن مرض نفسي، فقد تكون مرتبطة بعوامل فسيولوجية أو بيولوجية، كوجود أمراض عضوية أو اختلالات معينة في الجسم تؤثر على النوم، ولهذا، أنصحك بزيارة طبيب مختص في اضطرابات النوم، لتقييم حالتك من الناحية العضوية الجسدية، ومن الناحية النفسية أيضا.
من ضمن ما يمكن القيام به: إجراء دراسة للنوم، وهي دراسة تشمل معرفة نمط حياتك، واستعدادك للنوم، وروتينك اليومي، وأوقات الاستيقاظ والنوم، وأي منبهات أو أطعمة تتناولها خلال اليوم، هذا التقييم الشامل يساعد في تحديد الأسباب وتقديم الحلول، وبمجرد عمل هذه الدراسة وتغيير نمط الحياة فيها، والاعتماد على برنامج محدد في موضوع الاستعداد للنوم، حينها -إن شاء الله- يتم التخلص من اضطراب النوم.
إلى جانب ذلك، يمكن في بعض الحالات استخدام أدوية خفيفة، لا تكون منومة بالمعنى الصريح، ولكن تساعد الجسم على استعادة نمط النوم الطبيعي، ومن بين هذه العلاجات المتاحة دون وصفة طبية (الميلاتونين - Melatonin)، وهو مادة طبيعية تفرز في الدماغ، وتساعد على تنظيم دورة النوم والاستيقاظ.
في حالات اضطراب النوم، قد يختل إفراز الميلاتونين، وعند تناوله على شكل أقراص يساعد في إعادة تنظيم النوم مرة أخرى، وإرجاع الإنسان لحالته الطبيعية، وبالتالي يمكن استخدام الميلاتونين لمدة شهر أو شهرين، ثم التوقف عنه دون أي أعراض انسحابية، لأنه لا يصنف كدواء كيميائي، بل كمكمل غذائي طبيعي.
لذا، أنصحك أولا بزيارة الطبيب لإجراء بعض الفحوصات البسيطة، فقط للاطمئنان على الجانب العضوي والبدني، وبعد ذلك إن رغبت في استخدام الميلاتونين، فقد يكون مفيدا في إعادة تنظيم نومك، خصوصا إذا تم تناوله في وقت مبكر من المساء، كالساعة التاسعة أو العاشرة، وغالبا ستستيقظ بسهولة دون معاناة، وإن استيقظت لصلاة الفجر، فهذا سيساعدك –بإذن الله– على انتظام عبادتك، مما ينعكس إيجابا على حالتك النفسية.
وفقك الله ورعاك.