الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلة النوم أتعبتني كثيرًا وأخاف من مضاعفاتها، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أعاني من أرق مزمن منذ حوالي خمسة أشهر، وأعاني أيضًا من وسواس الموت، والخوف من خروج الروح، وعذاب القبر، وذلك منذ أن بدأ الأرق، وقد قرأت في "جوجل" أن من لا ينام جيدًا قد يُصاب بأمراض خطيرة، مثل أمراض القلب والجلطة القلبية، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعاني من خوف شديد من الموت بسبب الجلطة القلبية، أو أن أموت وأنا نائم.

أنا -والحمد لله- محافظ على أداء جميع الصلوات منذ سنوات، لكني مصاب بوساوس مرضية تتعلق بالموت، وأمارس العادة السرية أيضًا، ولكن -والله العظيم- عزمت اليوم أن أتركها ولن أعود إليها أبدًا، لأني سمعت أنها من أسباب الوساوس، وتؤثر على النظر والتركيز.

أنا -والحمد لله- أمارس الرياضة يوميًا، سواء بالمشي أو في نادي الحديد، أو حتى في لعب كرة القدم، ولا أعاني من أي أمراض مزمنة، فقد أجريت صورة أشعة طبقية، وكانت النتائج سليمة -والحمد لله-، لكن قلة النوم أتعبتني كثيرًا، وكلما ذهبت إلى الفراش تراودني أفكار عن الموت، أو الإصابة بالجلطة القلبية، خاصة أني سمعت عن شخص توفي بسبب جلطة، بعد أن عانى من الأرق لمدة عام، وهذا زاد من خوفي وقلقي الشديد.

الآن لا أنام إلا ساعة أو ساعتين فقط في اليوم، وقد أجريت تحاليل دم شاملة لعدة فيتامينات، وجميعها سليمة، باستثناء فيتامين (د)، حيث كانت النتيجة (12.2).

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

الذي تعاني منه -أخي الكريم- يُعرف بـ (قلق المخاوف الوسواسي)، فأنت لديك قلق، ولديك مخاوف، ولديك وساوس، وهذه ليست تشخيصات مختلفة، أي أنك لا تعاني من ثلاثة أمراض منفصلة، إنما هي حالة واحدة تتسم بوجود هذه المكونات الثلاثة، وأنت تحتاج إلى علاج دوائي، لا شك في ذلك، والحمد لله توجد أدوية فعالة جدًّا، لعلاج القلق والمخاوف والوسواس في ذات الوقت.

من الأفضل أن تذهب إلى طبيب نفسي، ليصف لك العلاج المناسب، وإن لم تتمكن من ذلك، فأنا سأصف لك أحد الأدوية الفعالة جدًّا، وأقترح عليك تناول دواء يُعرف علميًا باسم (Sertraline، سيرترالين)، ويُعرف تجاريًّا باسم (Zoloft، زولفت) أو (Lustral، لوسترال)، وربما تجده تحت مسميات تجارية أخرى. الجرعة الكلية القصوى لهذا الدواء هي 200 ملغ يوميًّا (أي أربع حبات يوميًّا، حيث الحبة تحتوي على 50 ملغ)، لكنك تحتاج إلى جرعة 100 ملغ يوميًّا (أي حبتين يوميًّا)، وهي الجرعة العلاجية المناسبة لحالتك، تبدأ بداية تدريجية، بأن تتناول نصف حبة (25 ملغ) يوميًّا لمدة أربعة أيام، ثم اجعلها حبة كاملة (50 ملغ) يوميًّا لمدة أسبوعين، وبعدها اجعلها حبتين يوميًا (100 ملغ) يوميًّا، تناولها كجرعة واحدة، واستمر عليها لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر، ثم بعد ذلك خفّض الجرعة إلى حبة (50 ملغ) يوميًّا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم اجعلها نصف حبة (25 ملغ) يوميًّا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقّف عن تناول الدواء.

دواء السيرترالين يتميز بأنه من أفضل الأدوية وأنقى الأدوية وآمنها، وآثاره الجانبية قليلة، ومن أكثرها شيوعًا زيادة بسيطة في الشهية للطعام، وبالنسبة للمتزوجين قد يؤدي إلى تأخر القذف عند الرجال، لكنه لا يؤثر سلبًا على هرمونات الذكورة، أو الصحة الإنجابية عند الرجال، هو من أفضل الأدوية.

وبجانب العلاج الدوائي، لا بد لك من تحقير هذه الأفكار الوسواسية وأفكار الخوف، والتركيز على الثوابت الشرعية فيما يتعلق بالموت وما بعد الموت، اجلس مع العلماء، أو مع من تثق بعلمه الشرعي، حتى تزداد طمأنينة ويقينًا. خلاصة الأمر أن الموت حق، ولا شك فيه أبدًا، والعبد الذي يكون مستعدًّا للقاء الله تعالى سيجد طمأنينة وسكينة، وكل الأفكار السلبية المشوهة لا تعطِها اهتمامًا، وهذا لا يتحقق إلَّا إذا امتلكت الحقائق العلمية والدينية الصحيحة، فأرجو أن تقرأ كثيرًا في كتب السُّنّة، وتسأل العلماء، وتجالس إمام المسجد، ومَن تثق في علمه الشرعي.

أما بالنسبة لما ذكرته عن الإصابة بالجلطة القلبية أو غيرها، فلا علاقة لها أبدًا بحالتك النفسية، فاطمئن -أيها الفاضل الكريم- واسأل الله أن يحفظك، وعش حياة صحية مطمئنة، وتوكل على الله.

اتباع أسلوب حياة صحي أمر مهم، ويشمل:

• ممارسة الرياضة يوميًا، ولو لمدة نصف ساعة أو أكثر، فهي تساعد في تحسين الدورة الدموية وتقوية القلب.
• النوم المبكر والمنتظم، مع تجنب السهر الذي يؤثر سلبًا على صحة القلب والجهاز العصبي.
• تجنّب النوم النهاري، لأنه قد يؤدي إلى الأرق وقلة النوم في الليل، مما يؤثر على التوازن الصحي للجسم.
• التغذية السليمة المتوازنة، التي تحتوي على الفواكه والخضروات، والحبوب الكاملة، والبروتينات الصحية، مع التقليل من الدهون المشبعة والسكريات والملح.
• الابتعاد عن التدخين والمشروبات الكحولية، والحرص على تقليل التوتر والقلق من خلال الاسترخاء، وممارسة الهوايات المفيدة.

باتباع هذه الخطوات -بإذن الله- ستحافظ على صحتك وتحمي قلبك، وهذه العادات والحياة الصحية تُقلِّل كثيرًا من فرص الإصابة بالأمراض -أيًّا كان نوعها-، وأكثر من الأذكار وأدعية الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأدعية الاستيقاظ، وأدعية الحفظ من الشرور، مثل: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" و"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" و"اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل".

وهناك غيرها من الأدعية العظيمة، التي إذا دعا بها الإنسان بخشوع وتفكّر، وكان موقنًا بها، فإنها -بإذن الله تعالى- تكون ذات أثر عظيم، ووقاية ونافعة لمن استشعر معناها وتأملها بإيمان وصدق، فاجعل هذا منهجًا لحياتك، ومع تناول الدواء، أنا متأكد أنك -بإذن الله- سوف تعيش حياة طيبة مستقرة.

أما اضطرابات النوم التي تعاني منها، فهي مرتبطة بالقلق والخوف والوسواس، والنوم حاجة بيولوجية، ولكن قد يكون هناك أيضًا تقصير منك في الاهتمام بنظافة النوم (Sleep Hygiene)، مع كامل احترامي لك، والاهتمام بالصحة النومية يأتي من خلال:
• مارس الرياضة كما ذكرنا.
• تجنّب السهر.
• تجنّب النوم النهاري.
• تجنّب المنبهات في فترة المساء، كالشاي والقهوة والمشروبات الغازية والأطعمة المحتوية على الكافيين (مثل الكولا والبيبسي والأجبان)، هذه يجب الابتعاد عنها تمامًا.

بهذه الكيفية سوف ينتظم نومك دون الحاجة إلى وصف منومات، خاصة في مثل عمرك، -وإن شاء الله- بصورة طبيعية جدًّا سوف تنتظم الساعة البيولوجية لديك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً