السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا صاحب الاستشارة رقم: (2154396).
أعاني من أعراض متراكمة تؤثر بشكل ملحوظ على حياتي اليومية والنفسية، وأبرز الأعراض التي أواجهها:
1- كثرة التفكير، والتشتت الذهني المستمر، مع صعوبة في التركيز على المهام اليومية.
2- أحلام يقظة متكررة لا تنتهي، أتقمص فيها شخصيات مؤثرة في المجتمع، للهروب من الواقع، وأشعر فيها بلذة كوني محور الاهتمام.
3- أحيانا أمارس سلوكا قهريا، يتمثل في نتف شعر الذقن أو الرأس.
4- ضعف في الإنصات والتركيز مع الآخرين، سواء الزملاء أو حتى أسرتي، مما يضايقني جدا؛ لأنه يؤثر على عدم التوصل إلى حلول لبعض الأمور العائلية، واتخاذ قرارات مهمة لي ولأسرتي.
5- صراع داخلي وتقمص حوارات وهمية وواقعية مع الآخرين، حتى مع زوجتي وأولادي، وأكون الطرف الإيجابي فيها.
أنا حزين من الواقع الذي تعيشه الأمة، ومن الحوادث والمشاكل الفردية اليومية في المجتمع، ولا أستطيع أن أتحمل سماع أي أخبار سيئة، أو تفاصيل عنها، ولا أستطيع تحليلها كما يفعل الآخرون، فأهرب منها.
بالرغم من التزامي الديني -ولله الحمد-، إلا أنني أشعر بانفصال عن ذاتي الواقعية، حتى أثناء الصلاة وقراءة القرآن، فأشعر بالحياء من ربي، وأيضا أستحي من نفسي، وأقاوم ذلك بلا فائدة.
أموري المادية لابأس بها، ولكن هذه الأعراض للأسف ترافقني منذ طفولتي، حيث ولدت وعشت طفولتي عند جدتي لأمي نظرا لحمل أمي بأخي الأصغر، وكذلك لأن جدتي كانت تعيش وحيدة، وأمورنا العائلية طيبة، وتوفي أبي عندما كان عمري 14 عاما.
عمري حاليا 53 عاما، وهذا ما يؤرقني، حيث إن أولادي قد كبروا ويحتاجون إلى أب ذو تركيز عقلي لحل بعض الأمور، واتخاذ قرارات مصيرية، كزواج إحدى البنات وغيرها.
وفقني الله لأن أخفي هذه الأعراض عن من حولي بصعوبة، وأتظاهر بالهدوء والعقلانية، رغم تشتت ذهني وهروبي شبه الدائم من الواقع، حتى في عملي الذي أحبه.
أرجو التكرم بعمل تقييم طبي لحالتي، ووصف علاج فعال.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في استشارات إسلام ويب.
تحدثت عن أعراض نفسية كثيرة، ومعظمها يعد من سمات شخصيتك، مع وجود طاقة قلقية تؤدي تقريبا إلى كل الأعراض التي ذكرتها، مثل: صعوبة التركيز، وتراكم الأفكار، وأحلام اليقظة، والهروب من الواقع.
كل هذه الأعراض تندرج تحت نطاق القلق، والقلق قد يكون محتقنا أو معمما، وكما يحتقن الأنف، تحتقن النفس أيضا، وبالفعل، فإن القلق يجعل الإنسان مشتت التفكير، وتبدأ الأفكار بالتداخل، وفي مثل عمرك، قد ينتج عن ذلك عسر واضطراب في المزاج.
أيها الفاضل الكريم: لا أريدك أبدا أن تضع نفسك في خانة المريض النفسي، فأنت لست مريضا، وهذه مجرد ظواهر، ونحن في الحقيقة نحاول دائما أن ننصح الناس بألا يطلقوا تشخيصات نفسية على أنفسهم دون الرجوع إلى الأطباء المختصين، فقد أصبح هناك إفراط في التشخيص النفسي في كثير من المجتمعات.
طبعا طاقة القلق هي طاقة مطلوبة لتحسين دافعية الإنسان وتحفيزه نحو النجاح، وأعتقد أن النجاحات التي حققتها في حياتك -أيا كانت- كانت بفضل هذه الطاقة، لكن مع التقدم في العمر، قد يتحول القلق إلى قلق محتقن، مما يؤدي إلى الشعور بالتوتر، وتشتت التفكير، وفقدان الرغبة في كثير من الأمور.
فانا أعتقد أن مجرد فهمك لحالتك؛ هذا سوف يساعدك كثيرا، وأعتقد أنك تحتاج أن تجعل نمط حياتك أكثر إيجابية واستقرارا، ومن أهم آليات ذلك:
أولا: أن تأخذ قسطا كافيا من الراحة والنوم، ويكون ذلك من خلال النوم الليلي المبكر وتجنب السهر؛ لأن النوم المنتظم يحسن من استقرار الخلايا الدماغية، وكذلك الهرمونات التي تتحكم في المزاج والتفكير، فهذه هي النقطة الأولى: النوم الليلي المبكر الممتاز.
ثانيا: ممارسة الرياضة، وفي مثل عمرك، فإن رياضة المشي هي الأنسب؛ لأنها تقوي النفس قبل أن تقوي الجسد، وهي من أفضل الوسائل لتحسين التركيز. إذا: يجب أن تعطي نفسك حظا من ممارسة الرياضة.
ثالثا: الالتزام بالواجبات الاجتماعية والدينية، ففي ذلك خير كثير للإنسان، وهو في الحقيقة منفذ إيجابي جدا لاستهلاك الطاقة الوجدانية، والذي يفي بواجباته الدينية والاجتماعية يشعر بالمردود الإيجابي، والذي ينعكس بصورة ممتازة جدا على البناء النفسي لشخصيته، وكذلك على مشاعره.
أيضا من المفيد جدا -أخي الكريم- أن تطلع على مجال الذكاء العاطفي، أو ما يعرف بـالذكاء الوجداني، فهو أداة قيمة تساعد الإنسان على فهم نفسه بشكل أعمق، وتقيم مشاعره بدقة أكبر، ومن خلال الذكاء الوجداني يستطيع الإنسان تحقيق نتائج إيجابية ملموسة في تعامله مع ذاته، ومع الآخرين، -والحمد لله- هذا النوع من الاطلاعات، يمكن للفرد أن يطور ذاته ويصل إلى مستويات أسمى من الوعي والتوازن النفسي، فأنصحك بشدة بالقراءة والبحث في هذا المجال لتستفيد منه كثيرا -بإذن الله-.
وأخيرا: من المهم أن تضع أهدافا واضحة في حياتك، أهداف آنية، وأخرى متوسطة، وأهداف بعيدة المدى، مع وضع آليات لتحقيقها.
هذه هي الإرشادات والنصائح الأساسية التي أحب أن أوجهها لك، مع ضرورة إجراء فحصوات طبية دورية بانتظام، ويفضل أن تزور طبيب الأسرة مثلا كل ستة أشهر، لتطمئن على نتائج الفحوصات العامة، ومستويات وظائف الجسم الأساسية مثل: السكر، والغدة الدرقية، والدهون، بالإضافة إلى وظائف الكلى والكبد، ومستويات فيتامين D، وفيتامين B12، وغيرها من الفحوصات المهمة التي نعتبرها ضرورية للحفاظ على صحتك، -والحمد لله- هذه الفحوصات أصبحت متاحة وسهلة الوصول إليها.
إذا هذا هو الذي أود أن أوجهه إليك -أخي الكريم-، وأسأل الله لك العافية والشفاء، والتوفيق والسداد.