السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أعمل، -والحمد لله- لدي دخل ممتاز، لكن المشكلة في والدي، فهو لا يعلم بأني أعمل، وكل يوم يضربني أنا وأخواتي، ليس ضربا مبرحا، لكن بدون رحمة! يتعامل مع أمي بشكل سيئ جدا، ودائما تكون بينهما مشاكل، لذلك أمي تريد أن تبتعد عنه، لكن لا أريد أن أعيش بدون أمي!
والدي بصعوبة ينفق علينا، وكل اهتمامه الأكل والشرب فقط، لديه ورث كبير منذ سنوات، لكن لا يقسمه، ولا يكتب أي ورق، بالرغم من أن هذا قد يحسن من حياتنا، فهو غير حنون، ولا مسؤول، ويرفض إعطاءنا المال بسهولة؛ وهذا يسبب لنا ضيقا كبيرا!
أفكر أحيانا لو مات أبي، فمن الممكن أن تكون حياتنا أسهل، وهذا تفكير خاطئ، لكن هذا بسبب ضغطه علينا، أمي تتمنى أن تتطلق وتأخذنا في شقة بالإيجار، لكن هذا يخيفني؛ بسبب الإيجار، والمصاريف، وحياتنا الجديدة.
أنا لا أجد أحدا أتكلم معه أو أستشيره، لا أصدقاء، ولا أهل يهتمون، حتى جدتي -والدة أمي- تعامل أمي بطريقة سيئة، وهذا يكسر قلبي عليها! أمي عندما تذهب عند خالتي وترى زوجها الطيب، أشعر أنها تتحسر على حالها، حتى لو لم تقل هذا.
أنا محتار، ماذا أفعل مع والدي؟ وكيف أقنع أمي أن تتحمل قليلا إلى أن أتمكن من جمع المال ونشتري لنا شقة؟ جربت كل الطرق دون فائدة! تعبت كثيرا والله! وكل ما أتمناه هو حياة سوية ومريحة ليس أكثر، حياة بدون مشاكل.
أرجو المساعدة، وآسف على الإطالة، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلا بك في موقعك إسلام ويب، وقد أسعدنا الكتابة، وأحزننا ما تمر به، نسأل الله أن يربط على قلبك، ويبدل حزنك أمنا، ويجعل لك من همك فرجا، ومن ضيقك مخرجا، وأن يحفظ لك والديك ويقر عينك بهما.
أنت تتكلم من موضع الألم، لكنك تتكلم أيضا من موضع الرجولة والحنان، شاب يعمل ويصبر، ويخاف على أمه، ويفكر في المستقبل، ويحلم ببيت هادئ، هذه كلها علامات قلب نقي، وروح واعية، فأنت في أزمة، نعم، لكنك لم تنكسر، فقط تحتاج لمن يأخذ بيدك، وها نحن نضع لك خطوات واضحة تساعدك -بإذن الله-.
أولا: افهم واقع والدك بإنصاف، قد يكون والدك نشأ في بيئة قاسية، أو ورث أسلوبا مشوها في التربية، وربما يحمل في قلبه صراعات داخلية لا يظهرها، لكن هذا لا يبرر ظلمه وقسوته، وإن كان يفسره، فأنت بين نارين: نار الخوف من تماديه، ونار الشعور بالذنب من التفكير السلبي تجاهه، ثق أن الله لا يحاسبك على مشاعر الحزن والغضب التي تأتيك رغما عنك، بل يحاسبك على ما تقول وتفعل، وقد أحسنت إذ لجأت إلى النصيحة، لا إلى الانتقام.
ثانيا: ما موقف الشرع من والدك؟
الشرع أمر ببر الوالدين، وحض على تحمل أذاهم، وحذر من عقوقهم؛ ذلك أن الشرع لا ينظر إلى أن العلاقة بين الولد وأبيه علاقة مقايضة، يحسن الولد إذا أحسن إليه والده، والعكس بالعكس، لا يا أخي، أنت مطالب بالبر وإن أساء، وهو محاسب على الإساءة، وعليه فواجب عليك البر إلا إذا أمر بمعصية الله تعالى، فلا تستجب له، مع كامل البر في غير ذلك، قال أهل العلم: (فإن الوالد إذا أمر ولده بمعصية الله، فلا طاعة له، ولكن يعامل بالإكرام والإحسان والاحتمال).
ثالثا: كيف تتصرف عمليا؟
1. اجتهد في نصح والدك، أو الاستعانة بمن يحبهم والدك للحديث معه.
2. كن سندا لأمك دون استعجال قرار الانفصال؛ فأمك تبحث عن الأمان، ليس فقط عن الخلاص من الأب.
3. لا تضغط عليها بالطلاق، بل طمئنها أنك تبني مشروع خلاص كريم، لا مشروع هروب مذعور، قل لها: (اصبري معي سنة فقط).
4. احفظ الحد مع والدك، لكن لا تدخل في صدام، ولا ترد عليه بقسوة، لكن كن حائلا دون ضرب والدتك بالحكمة، فإن تمادى فاستعن بجهة رشيدة (إمام المسجد، خال، صديق للأسرة) إن أمكن، حدث أحدا تثق به ليكون وسيطا في تهدئة والدك، وتنبيهه إلى سوء سلوكه، فأحيانا يسمع الأب من الغريب ما لا يسمعه من أبنائه.
5. ابدأ تخطيطا هادئا للحياة المستقلة: لا تجعل فكرك مشغولا بـ"لو مات أبي"، بل ركز على بناء حقيقي لمستقبلك، شارك إخوتك في الادخار إن أمكن، وكونوا فريقا صغيرا لإعالة أمكم.
رابعا: إياك أن تنهار أو تيأس: أنت لست وحدك، هناك آلاف مثلك، بل كثير منهم خرجوا من جحيم البيوت المتعبة، وصاروا رجالا يبنى عليهم أمل الأمهات، لا تخجل من دمعتك، ولا من تعبك، لكن لا تسمح لهذا التعب أن يخمد نورك، واعلم أن الله يرى ويعلم.
ونحن ندعو الله لك، ونقول: (اللهم يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما، يا من ترى خفايا البيوت ووجع الصدور، اجبر كسر عبدك هذا، واهد والده، وأكرم أمه، وارزقه دارا طيبة هانئة، واجعل له في كل ضيق فرجا، وفي كل هم مخرجا).
والله الموفق.