السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعرضت للإباحية منذ أن كان عمري 4 سنوات تقريبا، وكانت صورا شبه عارية فقط، ثم اكتشفت الاستمناء فيما بعد، وتطور المحتوى الذي أتعرض له، حتى أصبح إباحيا صريحا وفيديوهات في مرحلة البلوغ والمراهقة، وازداد معدلها جدا، وأصبحت إدمانا، وكان هذا مبكرا في سن 12 تقريبا.
والآن منذ 6 سنوات وأنا أحاول التعافي، ولكن ما ألبث بضعة أيام إلا وأنتكس، ونادرا ما أتجاوز الأسبوعين، الآن سأقدم على الجامعة، وأريد تغيير حياتي، وأتم حفظ القرآن، وأطلب العلم، والتفوق في دراستي، وطموحات كثيرة، وأعلم يقينا أنها لن تتحقق طالما ما زلت مدمنا!
أشعر أن الأمر معقد معي جدا، وأني لا أستطيع تركه، وأن الإدمان متجذر منذ الصغر، لا يتسنى لي الذهاب إلى مختص حاليا، ومؤخرا اقتنعت تماما من عدم جدوى محاولة الانقطاع، وأصبحت أتدرج، وقد أثمر هذا النهج الجديد، ولكن ما زلت أشعر بالحزن الدفين في صدري، والضنك، وأن كل ما يصيب أسرتي من بلاء أنا السبب فيه! وأني منافق، وخصوصا هذه الغصة التي تنتابني عندما يمدحني أحد؛ لأني أظهر أمام الناس أني متدين وأصلي في المسجد، ولا أشتم، وكلها صفات ظاهرية وليست التزاما حقيقيا.
بماذا تنصحونني؟ أريد تغيير حياتي البائسة كليا، بماذا أبدأ؟ وكيف أتغير؟ أعتذر على الإطالة وذكر بعض المصطلحات غير اللائقة، وأرجو الدعاء لي من قلبكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي الكريم: لا تعتذر أبدا عن إطالة حديثك أو ذكر بعض المصطلحات، فحديثك هذا هو حديث قلب مكلوم يبحث عن النجاة، ونحن هنا لنستمع إليك بكل تفهم وتعاطف، إن ما تمر به من صراع داخلي، وهذا الشعور بالحزن والضنك، هو دليل على وجود خير عظيم في قلبك، ورغبة صادقة في العودة إلى الله والتغيير نحو الأفضل، هذه ليست علامات نفاق، بل هي علامات يقظة ضمير، وإن لم يكن فيك خير ما أوجعتك ذنوبك.
لقد لفت انتباهي قولك إن الإدمان متجذر منذ الصغر، وهذا أمر طبيعي في كثير من حالات الإدمان، ولكنه لا يعني أبدا أنك لا تستطيع التغيير، بل على العكس، إدراكك لهذه الجذور هو الخطوة الأولى نحو اقتلاعها.
دعني أقول لك بوضوح: أنت لست وحدك في هذا الصراع، وكثيرون مروا بما تمر به، بل وربما أشد، وتمكنوا بفضل الله ثم عزيمتهم من التغلب على إدمانهم والعودة إلى حياة نقية، إن الشيطان حريص على أن يزرع اليأس في النفوس، ويجعل الإنسان يشعر بأنه لا فائدة من المحاولة، ولكن رحمة الله أوسع من كل الذنوب، وباب التوبة مفتوح لا يغلق أبدا.
كيف تبدأ التغيير؟
بداية التغيير الحقيقي تبدأ من التوكل على الله، والإيمان بقدرتك على التغيير، ثم باتخاذ خطوات عملية ثابتة، وإليك بعض النصائح التي قد تعينك، مستندة إلى هدي ديننا الحنيف:
• جدد نيتك مع الله أن هذا التغيير لوجهه الكريم، وأنك ترغب في حياة ترضيه، تذكر قوله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" (الزمر: 53).
• اجعل التوبة رفيقك الدائم، كلما أذنبت، استغفر وتب إلى الله فورا، لا تيأس من التوبة، ولا تقل "سأعود"؛ لأن هذا من مداخل الشيطان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، لقد أثمر معك نهج التدرج الذي ذكرته، وهذا صحيح ومبارك، التدرج في التخلص من الإدمان يكون أكثر واقعية ونجاحا في كثير من الأحيان، من الانقطاع المفاجئ الذي قد يؤدي إلى الانتكاسة بسرعة.
• ضع أهدافا صغيرة قابلة للتحقيق، بدلا من هدف "عدم العودة أبدا"، اجعل أهدافك أقصر مدى، مثلا: "سأصمد ليوم واحد"، "سأصمد لثلاثة أيام"، "سأصمد لأسبوع"، كلما حققت هدفا، احتفل به، فهذا يعزز ثقتك بنفسك.
• حاول أن تفهم ما هي الظروف، أو الأوقات، أو المشاعر التي تدفعك للعودة، هل هو الملل؟ الوحدة؟ الضغط النفسي؟ بعد تحديدها، حاول تجنبها، أو استبدال السلوك المدمر بسلوك إيجابي آخر.
• بما أنك ترغب في حفظ القرآن، اجعل هذا دافعا قويا لك، خصص وقتا يوميا لقراءة القرآن بتدبر، ولو آية واحدة؛ نور القرآن سيطرد ظلمات الإدمان، قال تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" (الإسراء: 82).
• حافظ على صلاتك في أوقاتها وبخشوعها، اجعل السجود هو ملجأك، ادع الله بصدق، واسأله العون والقوة على ترك المعصية، ادع بأدعية الأنبياء، مثل دعاء يونس عليه السلام: "لا إلٰه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
• اجعل لسانك رطبا بذكر الله والاستغفار، "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
• ابحث عن رفقة صالحة من الشباب الملتزم في الجامعة أو المسجد، الصاحب ساحب، والصاحب الصالح يعينك على الخير ويذكرك بالله.
• تخلص من كل ما يذكرك بالإباحية: امسح الصور والفيديوهات، احذف المواقع، غير جهازك إن لزم الأمر، لا تترك أي باب يدخلك إلى هذا العالم.
• الإدمان يزدهر في الفراغ والوحدة، املأ وقتك بما هو مفيد: ممارسة الرياضة، تعلم مهارة جديدة، القراءة في مجالات تهتم بها، خدمة أهلك أو مجتمعك؛ هذا سيصرف ذهنك ويمنحك شعورا بالإنجاز.
• عندما تراودك فكرة العودة، استعذ بالله من الشيطان الرجيم فورا، وغير مكانك، وقم بفعل أي شيء آخر يصرف انتباهك.
• الشعور بالذنب والضنك، هذا الشعور مؤلم، ولكنه في الحقيقة مؤشر إيجابي على وجود فطرة سليمة، تذكر أن الله غفور رحيم، كلما شعرت بالضنك، الجأ إلى الله بالدعاء والاستغفار، اقرأ عن قصص التائبين من السلف الصالح، وكيف أنهم بعد التوبة أصبحوا من أعظم العباد.
• التفكير بأنك سبب بلاء أسرتك، هذا من وسوسة الشيطان ليحبطك ويقطعك عن التوبة، الله لا يؤاخذ الناس بذنوب غيرهم، كل نفس بما كسبت رهينة، ركز على إصلاح نفسك، وهذا بحد ذاته خير لأهلك وللمجتمع، تذكر أن الله قادر على رفع البلاء برحمته، وليس بسبب ذنبك أو عدمه.
• التعامل مع مدح الناس، هذه الغصة طبيعية، ولكن لا تدعها تحبطك، احمد الله الذي ستر عليك ذنوبك، اجعل هذا المدح دافعا لك لتكون أفضل في السر كما أنت في العلن، تذكر الحديث: "من ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة"، والمسلم أحق بستر نفسه، اجعل عبادتك لله وحده، ولا تهتم بنظر الناس.
• لقد ذكرت أنه لا يتسنى لك الذهاب إلى مختص حاليا، وهذا مفهوم، وقد وجهناك بما إن طبقته؛ بفضل الله ستتغلب على مشكلتك، وتتحسن حياتك، ولن تحتاج بإذن الله للذهاب إلى مختص، ونحن معك فلا تتردد في التواصل بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
ابني الكريم: إن هذه المرحلة من حياتك، مع قرب دخولك الجامعة وطموحاتك الكبيرة، هي فرصة ذهبية للبدء بصفحة جديدة ناصعة، أنت شاب في مقتبل العمر، ولديك عقل سليم وقلب حي، وهذا هو أهم ما تملكه لتتغير.
تذكر قول الله تعالى: "ولسوف يعطيك ربك فترضىٰ" (الضحى: 5)، ثق بالله وتوكل عليه، واجعل خطواتك نحو التغيير خالصة لوجهه، وسترى كيف يفتح لك أبواب رحمته وبركته، اجعل هذه الأيام التي تسبق الجامعة فرصة للتحضير النفسي والإيماني، ابدأ الآن، ولا تؤجل، كل انتكاسة هي فرصة للتعلم والنهوض من جديد بقوة أكبر.
أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يرفع عنك هذا البلاء، وأن يطهر قلبك، ويقوي عزيمتك، ويثبتك على طاعته، وأسأله سبحانه أن ييسر لك حفظ كتابه الكريم، وأن يفتح عليك فتوح العارفين في طلب العلم، وأن يجعل النجاح والتوفيق حليفك في دراستك وحياتك كلها.