السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندما أكون في وقت مع الله، مثلا عندما أستغفر، أشعر أن قلبي تعلق بالله في تلك اللحظة، وأنني متصل به، ولا يوجد أي عائق، وعندما أدعو بالآخرة، أشعر أنني ما زلت متصلا به، لكن عندما أدعو بما أريده من الدنيا، كالمال أو المنصب أو نحو ذلك، أخرج من الحالة التي كنت فيها، ولا أشعر أنني متصل به، هل هذه علامة على عدم قبول الدعاء، أو عدم صلاحه لي؟ وما سبب هذا الشعور؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونهنئك بما من الله تعالى به عليك، وحببه إليك من الدعاء والاستغفار؛ هذه علامة -إن شاء الله- على أن الله تعالى يريد بك الخير، ويريد أن يسوق إليك الخير.
فنصيحتنا لك أن تشكر هذه النعمة، ومن شكر هذه النعمة: الثبات على هذا الخير، والمحافظة عليه، والاستمرار فيه، والأخذ بأسباب زيادته.
وما تجده من حالك -أيها الحبيب- أثناء الدعاء والاستغفار، من تعلق القلب بالله تعالى والاتصال به -جل شأنه-، هذا الشعور في حد ذاته فضل كبير، ونعمة من الله عز وجل جزيلة عليك؛ فهذا هو المقصود من الذكر والدعاء والاستغفار، أن يصل الإنسان الحبل بينه وبين الله تعالى، وأن تتلذذ هذه الروح، وتسعد هذه النفس، ويطمئن هذا القلب بمباشرة هذه العبادات، والله تعالى أخبرنا في كتابه عن هذا، فقال: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ [الرعد: 28]، والنبي ﷺ يقول: وجعلت قرة عيني في الصلاة [رواه النسائي وأحمد وصححه الألباني].
فإذا دخل الإنسان على مناجاة ربه بقلب حاضر، ونية خالصة صالحة؛ فإن هذه الثمرات تكون حليفه ورفيقه، فاشكر الله تعالى على هذا الشعور، وحافظ على أداء فرائض الله تعالى عليك.
ومن الطبيعي -يا أيها الحبيب- أن تتعلق النفس بالأعلى نعيما، والأكثر راحة وسعادة، ومن الطبيعي أيضا أن يدرك الإنسان المؤمن أن ثواب الآخرة ونعيمها أنفع وأدوم لهذا الإنسان؛ فطبيعي أن تتعلق النفس تعلقا زائدا بما عند الله تعالى من النعيم المقيم في دار السعادة الأبدية، وهي الجنة.
أما الدنيا؛ فإن العقل السليم والفكر المستقيم يضعها في موضعها اللائق بها، المناسب لها؛ فهي حاجة من الحاجات التي يحتاجها الإنسان في رحلته إلى الله تعالى، ومن ثم لا يمكنه الاستغناء عنها بالكلية، ولا أن يعطيها ظهره، كما أنه أيضا مكلف بأن يعمر هذه الدنيا ليقيم الدين ويصلح الدين، ولذلك ذكر الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم في سورة البقرة نوعين من الدعاء لنوعين من الناس:
• أهل الإيمان يقولون: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة﴾ [البقرة: 201].
• ومن لم يكن مثلهم في الإيمان، فإنهم يدعون بالدنيا فقط، يقولون: ﴿ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق﴾ [البقرة: 200]، أي ما لهم في الآخرة من نصيب، فهم يسألون الدنيا فقط.
فهذان نوعان من الناس، وهذان أيضا نوعان من الدعاء، ولم يقل -سبحانه وتعالى- أن هناك فريقا ثالثا يدعو الله تعالى بالآخرة فقط؛ ما قال: ومنهم من يقول ﴿ربنا آتنا في الآخرة حسنة﴾ وسكت عن الدنيا. هذا الفريق لا يوجد؛ لأن أهل الإيمان يدركون أنهم بحاجة إلى نصيب من الدنيا ليقيم الدين، وتصلح الحياة، فهم يسألون ربهم الدنيا والآخرة.
فلا حرج أبدا على الإنسان أن يدعو الله تعالى بشيء من أغراض الدنيا ومصالح الدنيا، ولكن عينه على الآخرة، وهو لا يريد الدنيا من أجل الدنيا، إنما يريد الدنيا لأنها مزرعة الآخرة، ويريد الركوب عليها ليصل إلى جنة الله تعالى.
وهذا لا يقدح في إيمانه، ولا ينزل قدره، فقد علمنا الله تعالى هذا الدعاء، كما كان الرسول ﷺ يدعو به، فهذه الدعوة كانت أكثر ما يدعو به النبي ﷺ؛ كما في حديث أنس وغيره في الصحيحين وخارج الصحيحين، أنه كان إذا دعا بدعوة، دعا بها، وإذا دعا بدعاء، دعا بها، وهي: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾.
ولكن ما تجده أنت من علو المشاعر، وشدة الطمع عندما تتكلم عن الآخرة، أمر يتوافق مع الحالة الإيمانية لمن كمل إيمانه وقوي إيمانه؛ فهذه علامة خير، وليست شيئا يخاف منه، فاستمر على ما أنت عليه، واطلب من ربك صلاح الدين والدنيا والآخرة، واجتهد في إصلاح دينك ودنياك، امتثالا لقول الرسول ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز [رواه مسلم].
نسأل الله تعالى لك التوفيق إلى كل خير.