السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوجة ولدي أولاد، وأختي متزوجة ولديها أولاد، لكن أختي دائما تنتقد أولادي، وعندما تحدث مشكلة بيني وبينها بسبب الأولاد، تذهب وتخبر أمي بما حصل، وتبكي وتقول إنها مظلومة، مع أني لم أفعل شيئا -والله-، وتحزن أمي عليها، وتصير معاملتها سيئة معي، دون أن تسألني أو تفهم مني ماذا حصل، وتستمر أمي في معاملتها السيئة لي.
في يوم من الأيام، ذهبت وصارحت أمي، وسألتها: لماذا تتعاملين معي هكذا؟ فقالت لي "من أجل أختك"، مع أنها لم تسألني ماذا حدث، فقط سمعت من أختي، فقلت لها: "سأخبرك ما حصل حتى تسمعي من الطرفين"، فرفضت في البداية، ثم تكلمت معها، قالت لي أمي: "أنت لا تعرفين كيف تربين أولادك"، وألقت علي اللوم فيما حدث، ورغم ذلك سألتها بهدوء: "هل قالت لك أختي نفس الكلام الذي قلته لك أنا؟" فأجابت: "نعم، ثم قالت: "لا تتدخلي بيني وبين أختك"، ورفضت أن تستمع لما حدث بيني وبينها.
عندما غادرت أمي، تحدثت مع أختي وأخبرتها بما حصل بيننا، وعندي خمس أخوات تحدثت معهن عني، فقاموا بمقاطعتي دون أن يسألوني ماذا حدث، وذلك لأن أختي طلبت منهن مقاطعتي، وهن وافقن!
مشاعري تدمرت، وانكسر قلبي، وحصلت لي أزمة قلبية من الحزن، لكن أمي مستمرة في التحدث عني مع أخواتي، وعندما أكون حاضرة لا أحد يتكلم معي، ولا أحد يقول لي "لا تحزني"، وعندما أذهب، تجمعهم أمي وتتحدث عني، والله تعبت.
ذهبت إلى أختي التي كانت سبب الفتنة بيني وبين أمي، وقلت لها: "ساعديني لأصلح علاقتي بأمي، فأنت السبب فيما حدث بيننا"، لكنها أنكرت مسؤوليتها وقالت: "أنا لم أفعل شيئا، والخطأ منك أنت، وأنت من يجب أن تصلحي الأمر بنفسك" هنا فقدت صوابي، وأصبحت أدعو الله أن ينتقم من أختي، وأن تكون في نفس الموقف الذي أنا فيه.
في تلك الفترة، كان زوجي يدعمني ويقف إلى جانبي، لكن أمي لاحظت وقوفه معي، فبدأت تقول لي: "زوجك لا خير فيه، هو مثلك، وأنت فقط من يحبه، ولن يدوم لك مع الوقت"، وكانت تكرر: "أخواتك هن سندك الحقيقي".
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بشرى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام بالسؤال، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يصلح الأحوال، وأن يهدي أختك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
الذي نوصيك به هو: أن تستمري في بر والدتك، وتجتهدي في التقرب منها، وأن تصححي المفاهيم، وكذلك مع إخوتك وأخواتك، فابدئي بأقربهم إليك وأعقلهم، وكلميه على انفراد، وتجنبي الاحتكاك بتلك الأخت وأبنائها، ووصي أبناءك بأن يلتزموا الهدوء والاحترام، وكوني أيضا في طاعة زوجك، ونسأل الله أن يعينكم على كل خير، فمثل هذه الأمور تحدث، والتصحيح للمفاهيم قد يحتاج لبعض الوقت؛ ولذلك نتمنى أن تلتزمي الهدوء، وتحاولي دائما الاستفادة من الخالات والعمات، الذين يمكن أن يؤثروا على الوالدة، خاصة الذين عرفوا الإشكال، أما الذين لم يعرفوا فلا ننصح بإدخال أطراف أخرى؛ لأن المسألة قد تتوسع وتتعقد أكثر.
لكن الأفضل أن تهتمي بما يوجه به الزوج، وحاولي أن تقومي بحقك كاملا تجاهه، وعليه أيضا أن يرعى أبناءه، ويدافع عنهم، ويوصيهم بتجنب الاحتكاك مع أبناء خالتهم، ويحرص دائما على إبعادهم، بأن يأخذهم معه إلى المسجد، إلى أماكن صالحة، ونسأل الله أن يعينك على الخير.
لا شك أن هذا ابتلاء، وأن الذي يحدث من الأخت ستعود العواقب عليها بالسوء، خاصة في الآخرة؛ لأن الإنسان الذي يتعامل بهذه الطريقة، وينقل المشاكل، ويحاول أن يحرض الوالدة على أن لا ترضى عن إحدى بناتها؛ سينقلب هذا السحر عليها.
وبقية الأخوات أو أفراد الأسرة أيضا، اجتهدي في أن تبيني لهم، وتوضحي لهم، وكما قلنا من المهم أن تتعاملي معهم على انفراد، فلا شك أنهم يتفاوتون في عقولهم وفهمهم، واستمعي لما عندهم، واحرصي دائما على أن تكملي الفكرة، استمعي كاملا لما في نفوسهم، ثم بعد ذلك صححي المفاهيم، وسيأتي اليوم الذي تجدين فيه من ينصرك ويؤيدك، وإذا لم تجدي فأنت معذورة، ولا تعتبرين عاقة، وغضب الوالدة المبني على أسس غير صحيحة، ليس عليك فيه وزر، ولكن لا تحاولي أن تعاندي الوالدة، وتعامليها كأنها أخت، فالوالدة تظل والدة، والإنسان لا بد أن يصبر على أمه، وإذا لم نصبر على الوالدة فعلى من يكون الصبر؟!
وإذا أديت ما عليك من البر والإحسان، وقمت بواجباتك، وبعد ذلك الوالدة لم ترض، فلا شيء عليك من ناحية الشرع؛ لأن البر عبادة لرب البرية، والإنسان قد يقوم بما عليه كاملا، والوالد لا يرضى، أو الوالدة لا ترضى، عند ذلك العزاء في قوله تعالى في نهاية آيات البر: ﴿ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا﴾ [الإسراء: 25] قال علماء التفسير: هذا في حق من يقوم بما عليه، ومع ذلك لا يرضى الوالد، ولا ترضى الوالدة؛ لأن الوالد والوالدة قد يكون فيهما ظلم، قد يكون فيهما عصبية، قد يكون فيهما طمع، هذه أشياء قد توجد لأنهم بشر، والنقص دائما يطاردنا جميعا.
الإنسان يفرق في المعاملة مع الوالدين حتى لو أخطؤوا، ولا ينبغي أن تقابل أخطاؤهم بالخطأ، إنما يقابل ذلك بالصبر والإحسان إليهم، وزيادة البر؛ لأن هذا هو الذي يسأل عنه عند الله -تبارك وتعالى- ولذلك حقهم عظيم، حتى وإن أمر أحدهم أو دعا إلى معصية لله تعالى، قال العظيم: ﴿فلا تطعهما﴾، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن في ختام الآية قال: ﴿وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾ [لقمان: 15]، فيبقى لهم حسن التعامل، واللطف بهم، والإحسان إليهم، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينك على الخير.
اصبري على والدتك، فالوقت جزء من الحل، وتسلحي بالصبر، والوضوح، وضيقي فرص الاحتكاك مع الأخت المذكورة، ونسأل الله أن يهديها ويردها إلى الحق والعدل والصواب.