السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي ثلاثة إخوة من الأب، وأخ شقيق، أحد إخوتي من الأب يعاني من مرض نفسي، يشرب المخدرات، ومصاب بالفصام، وهو مؤذ جدا.
عندما توفي والدي، ترك منزلا، وكان هذا الأخ قد خرج من المصحة على نفقة إخوته، وكان مؤدبا وجيدا، فكنا نأكل ونجلس معه، لكن بعد فترة، بدأ يشرب المخدرات مجددا، وبدأ ينتكس، وكاد أن يقتلنا لأنه يريد تقسيم البيت على مزاجه، لولا أن أخاه أخذه إلى مصحة لعلاج الإدمان.
وبعد أشهر، حاول أخوه إدخاله إلى مصحة نفسية حكومية، لكنه هرب وسافر إلينا، وهاجم منزلنا، وكسر الأبواب، لكنه لم يستطع الصعود إلينا؛ لأنني أحكمت إغلاق الأبواب والنوافذ حتى خرج.
بعد ذلك، أخذنا بعضا من أشيائنا، واستأجرنا شقة بعيدا عنه، ومنذ ذلك اليوم، استولى على المنزل، وباع كل شيء تقريبا: الأبواب، والشبابيك، وأغراضنا، وحتى الجراج الصاج، وسرق أسلاك الكهرباء الداخلة إلى البيت، ومواسير الصرف.
المشكلة أن أخاه الكبير ليس معه مال كاف لإدخاله إلى مصحة نفسية، وقد وكل هذا الأخ المريض محاميا بارعا أخرجه من قضية بتبرئته منها، واستطاع تجاوز المعارضة الأخرى، رغم أنه غير مسجل لدى الحكومة على أنه مريض نفسي، والشرطة لا تفعل شيئا، وعندما يبلغ عنه أحد، لا تستجيب، والناس في منطقتنا تركونا، ولا يساعدوننا في هذا الموضوع.
أمي دائما تحزن من هذا الوضع، وتسبه وتدعو عليه، وأنا أحاول أن أصبرها.
ما الذي يمكننا فعله لحل هذه المشكلة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هاشم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بكم في إسلام ويب، ونسأل الله أن يرفع عنكم هذه الغمة، أعانكم الله في هذا البلاء العظيم، وربط على قلوبكم، وكتب لكم أجر الصبر والمعاناة، وفتح لكم باب الفرج والمخرج، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
ما ذكرته من ابتلاء هذا الأخ، وسلوكه المؤذي، وحالته النفسية، واعتدائه على البيت والأسرة: هو من أعقد أنواع الابتلاءات التي تقع في البيوت، لما فيه من تداخل بين الحقوق الشرعية، والمشاعر الإنسانية، والمعاناة النفسية، ولذلك سوف أرتب لك الجواب في محاور واضحة ليسهل التصرف بناء عليها -إن شاء الله-:
أولا: الحكم الشرعي العام:
الأخ مريض نفسيا وغير مدرك، ولا يؤاخذ على أفعاله إذا ثبت فقدانه للأهلية (كالتمييز والعقل الكامل)، قال النبي ﷺ:(رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)، لكن هذا لا يعني تركه يفسد، ويؤذي الناس، فحق النفس محفوظ، وحق الناس محفوظ، ولا يجوز لأحد أن يؤذي إخوانه بحجة أنه مريض.
- أنتم لستم آثمين في منعه من البيت، ولا في منعه من حقوقه مؤقتا، ما دام في حالة عدوان واعتداء، بل حفظ النفس مقدم.
- يجب عليكم السعي في علاجه قدر المستطاع، لا لأجله فقط، بل لحمايتكم أنتم أيضا.
ثانيا: الوصية لكم في التعامل:
- لا تفرطوا في حقكم، ولا تسكتوا عن التعدي بحجة الرأفة، فهذا ظلم لأنفسكم، وليس عدلا له.
- وفي نفس الوقت لا تقابلوا ظلمه بالدعاء عليه بالهلاك، بل يجب الدعاء له بالهداية والعلاج، وتفويض أمره إلى الله.
- أجروا اتفاقا عائليا مع أخيكم الكبير وأخوتكم: في من يشارك في دفع مصاريف علاجه، ومن يتحمل ماذا؟ فالأمر جماعي لا يتحمله أحد بمفرده.
ثالثا: ما يقال للأم المسكينة:
ذكروها بأن هذا البلاء ليس عقوبة، بل رفعة وابتلاء، وأن الله يثيبها عن كل دمعة، ويعوضها بكل لحظة ألم، ولا يضيع حقها أبدا، وأنه: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض، أو هم، أو حزن… حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".
وأخيرا: هذا ابتلاء فعليكم بالصبر والتماس الأجر، وانتظار العوض من الله تعالى في الدنيا والآخرة.
نسأل الله أن يفرج همكم، وأن يكتب أجركم، ويرفع قدركم في الدنيا والآخرة.
والله الموفق.