كيف نبذل النصيحة لوالدينا بطريقة مقبولة، بحيث لا يردونها؟

0 2

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد أن أسألكم عن شيء.

أمي وأبي دائما يدعون علينا جميعا؛ فمثلا أحد إخوتي أغضب أمي، فأصبحت تدعو علينا كلنا، وأبي كذلك، وسبب الدعاء أننا مثلا عندما ننصحها بألا تطالع الأبراج، وأن ذلك حرام، حتى وإن كان برفق، فإنها تغضب منا، على الرغم من أنهما مسلمين -والحمد لله-.

وعندما نعلمها شيئا في الدين تغضب، ولا تتقبل، وعندما تقول شيئا تسمعه فإنها تزيد عليه، وليس بصفة نقل الكلام، وعندما ننصحها بغضب تسخط منا، وتقاطعنا لأيام، ولا تكلمنا، وعندما نريد أن نعتذر منها لا تقبل، وبسبب دعائها على أخي ذهب ولم يعد؛ فقد دخل السجن ظلما بسبب الدعاء، حتى وإن كنا نغلط بحقها، أو نزعجها، فهل يجوز أن تدعو علينا بعدم الصحة والعافية، وعدم التوفيق؟

والله إنني أسعى لرضاهما عني، ودائما أدعو لهما بأن يهديهما الله لنا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، ونسعد في تلقي استشاراتك، وللرد على هذه الاستشارة نقول:

- إن البيئة التي يعيش فيها، وينشأ بها المرء تؤثر على حياته، ويصبح جزءا من تلك البيئة، وتظهر عليه آثار الصفات التي عليها ذلك المجتمع، والإنسان يقلد ويحاكي من حوله، إلا من وفقه الله للأخذ بأفضل الصفات، واجتناب سيئها، ووالداك لعلهما تأثرا بالبيئة التي عاشا فيها، فاكتسبا تلك السلوكيات، وربما كانا يعانيان من نفس المشكلة التي تشتكين أنت منها.

- العناية بالوالدين، والإحسان إليهما، والتذلل بين أيديهما، واحترامهما مطلب شرعي كما لا يخفى عليك، لا لشيء، إلا لكونهما والدين، وإن حصل منهما تقصير، فالله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ۚ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما﴾.

- الكبير في السن دائما لا يريد أن يظهر بمظهر النقص والجهل، ويرى أن أفعاله وأقواله هي الصواب والسداد، فلذلك البعض لا يقبل النصح، وأرى أن يغير الأسلوب من النصح المباشر إلى أسلوب قصصي مقرون بالترغيب والترهيب، يوصل من يريد النصح إلى مقصوده دون شعور المنصوح بأنه هو المقصود، مع تحين الوقت المناسب، وانتقاء الكلمات، ويمكن أن يكون النصح عن طريق طلب الاستفادة من علمهما، وخبرتهما، فتقولين مثلا: يا أمي، أنت صاحبة خبرة، وقد صقلت ذهنك تجارب الحياة، فأريد أن أستفيد من خبرتك، ثم تذكرين أن شخصا سمع أخبارا سيئة عن جاره، فما هو الأفضل؟ أن ينشر ذلك الكلام، أو أنه يسكت؟ ولو نشره، هل يكتب ذلك عليه في صحائف أعماله أنه نوع من الغيبة؟ وهل يأثم الإنسان لو زاد في الكلام على ما سمع؟

- كما أن هناك مقاطع مؤثرة ومبثوثة في اليوتيوب لعلماء ودعاة، يمكن مشاهدتها بطريقة جماعية؛ فقد يكون التوجيه لدى الآباء من أشخاص غير الأبناء مقبولا ومؤثرا فيهم؛ لأن الوالد لا يريد أن يظهر بمظهر النقص أو الجهل عند أبنائه.

- كما أقترح عليك أن تحيوا روح اجتماع الأسرة، والتحاور والنقاش في القضايا التي تهم الأسرة؛ فذلك يكسب الجميع الثقة ببعضهم البعض، ويجذر الترابط والمحبة فيما بينهم، وترك كل شخص يعيش بطريقته الخاصة يبعد الأفراد عن الترابط والتناصح.

- ابتعدوا عن كل أسلوب يغضب الوالدين، ولا تكثروا من نقدهما، وتوجيه النصح لهما؛ لأن ذلك هو سبب دعائهما عليكم، ومن ثم يغضبون ويهجرونكم الأيام الطويلة، فتلجؤون للاعتذار، فيظهر الوالد حينئذ بمظهر أنه صاحب الحق، وأنكم أنتم على خطأ.

- لا بد من تقبل الوالدين على ما هما عليه، مع محاولة إصلاحهما برفق، ولين، وتدرج، ولا شك أن عندهما من الإيجابيات الشيء الكثير، وكلنا ذوو نقص، ولكننا أحيانا نضخم الأخطاء والنقص على حساب الإيجابيات والكمال، فنظهر والدينا بشكل مرفوض، ويترسخ في أذهاننا تلك الأخطاء، وننسى الخير الذي عندهما، فلو جعلنا هاتين الخصلتين في كفة، وصفاتهما الحسنة في كفة، لرجحت كفة الصفات الحسنة.

- لا شك أن الأعمال الصالحة تلين القلوب، وتقرب العبد من ربه، وتكسبه مراقبة الله، والخوف منه، وتجعله يترقى في سلم الصفات الحسنة، وخاصة الصلاة، والصيام، وتلاوة القرآن واستماعه، وقراءة أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنصح بالتركيز على هذه القضايا، من خلال الحث على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، والمحافظة على النوافل، والصيام الجماعي، وجعل وقت مناسب للقراءة من كتاب رياض الصالحين للعلامة النووي، وافتتاح حلقة تلاوة للقرآن الكريم، فإن كانا لا يقرآن، فيوجهان للاستماع، ويمكن أن يهدى لكل واحد منهما القلم القارئ للقرآن؛ الذي إذا مرر على الآيات قرأها، وبأصوات قراء كبار، مؤثرين بتلاوتهم، كالمنشاوي مثلا.

- الاتفاق مع الوالدين على ترتيب الأوقات، والحث على أذكار الصباح والمساء، والتذكير بذلك له أثره -بإذن الله-.

- أحسنوا للوالدين، وأكرموهما بالمال، وتلبية مطالبهما، وخففوا عنهما أعباء الحياة، فسوف تتغير نظرتهما، وأكثروا من طلب الدعاء منهما، وتغاضوا عن الكثير من أخطائهما، ولا تعالجوا الأخطاء وقت وقوعها، بل يمكن تأجيل ذلك للوقت المناسب، مع تباعد أوقات التوجيه ومحاولة الإصلاح.

- عليكم بالتضرع بالدعاء للوالدين، فتلك وصية الله لنا جميعا: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا﴾.

- ألحوا على الله بالدعاء أن يبصرهما بعيوبهما، وأن يلين قلبيهما لقبول النصح والحق، وتحينوا أوقات الإجابة، فالدعاء له أثر كبير، وأحسنوا الظن بالله تعالى، وأيقنوا أن الله سيستجيب لكم ولن يخيب ظنكم، ففي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله، ويقول عليه الصلاة والسلام، فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.

* تحينوا الأوقات التي يرجى أن يستجاب فيها الدعاء، ومنها:

1. ما بين العصر والمغرب يوم الجمعة، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: إن في الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر.
2. الثلث الأخير من الليل: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟، من يسألني فأعطيه؟، من يستغفرني فأغفر له؟
3. يوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر؛ فعن جابر -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا في مسجد الفتح ثلاثا: يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين.

4. أثناء الانتباه من النوم ليلا، ففي الحديث: من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير… ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له…
5. بين الأذان والإقامة: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد.
6. أثناء السجود، ففي الحديث: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء
7. أدبار الصلوات، ففي الحديث: (جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات).

وهناك أسباب لاستجابة الدعاء لا بد من توفرها، منها:

أ. عدم الاستعجال، ففي الحديث: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي.
ب. الإكثار من ذكر الله، ففي الحديث: ثلاثة لا يرد الله دعاءهم… والذاكر الله كثيرا.
ج. الدعاء أثناء الصيام، وقبل الإفطار: ثلاثة لا يرد دعاؤهم… والصائم حتى يفطر.
د. الإكثار من قول: “يا رب، يا رب، يا رب”، ففي الحديث: إذا قال العبد: يا رب، يا رب، يا رب، قال الله: لبيك عبدي، سل تعط.

هذه بعض التوجيهات، ونسأل الله تعالى أن يقر أعينكم بصلاح الوالدين، وأن يرزقكم برهما، وأن يسمعنا عنكم خيرا، ونسعد بتواصلكم إذا استجد أي أمر.

وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات