السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زوجي رجل متدين وخلوق، ويحبني كثيرا ويريحني في أمور كثيرة، لكن المشكلة تكمن في تعامله مع زميلاته في العمل أو الدراسة؛ فعندما ترسل له إحدى الزميلات على (الشات) تطلب منه شيئا، يجيبها ويساعدها، أو إذا أراد تنبيهها إلى أمر ما، يراسلها على الخاص ويبلغها.
لا يوجد في الرسائل ما هو محرم من الكلام، ولكنني لا أتقبل هذا الأمر، وهو يزعجني كثيرا ويؤثر على علاقتي به.
وعندما تحدثت معه عن قلقي، وعدم ارتياحي لهذا السلوك، تضايق واتهمني بأنني تجسست عليه، وقال: إنه ليس من حقي أن أطلب منه ذلك، مؤكدا أنه يعرف حدوده في التعامل، ويدرك جيدا ضوابط الاختلاط المحرم.
لكنني أرى أن مبادرته بمراسلة زميلته، وإن كان الموضوع متعلقا بالدراسة، يعد من صور الاختلاط غير الضروري، خاصة أنه غير مجبر على ذلك، فهل يعد هذا فعلا من الاختلاط المحرم؟
كما أنه لا يطمئنني بالكلام عندما أسأله، بل يرد دائما: ليس من حقك، وأنا الآن أتألم، ولا أستطيع التوقف عن التفكير في هذا الموضوع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك نقول:
من فضل الله تعالى عليك أن زوجك رجل على خلق ودين، فاحمدي الله أن جعل بينكما المودة، وأنه يريحك في أمور كثيرة، نسأل الله تعالى أن يزيدكما من فضله، وأن يذهب عنكما ما يكدر صفو حياتكما.
ولو قارنا بين صفات زوجك الإيجابية، وهذه الصفة التي تؤذيك، لكانت بمثابة قطرة في محيط لا تكدره، بمعنى آخر: عليك دائما أن تتذكري صفاته الإيجابية، وأن تعظميها في نفسك، وتنظري إلى أي صفة سلبية نظرة تصغير وتجاوز؛ فمن كثرت حسناته وقلت سيئاته، غمرت حسناته سيئاته، فاجعلي هذا مبدأ في قلبك، وتذكري أن الكمال ليس للبشر؛ فالكمال لله تعالى وحده، ثم لأنبيائه ورسله -عليهم الصلاة والسلام-.
لا مانع من السعي إلى الكمال، ومحاولة تصحيح الأخطاء في السلوكيات، لكن ينبغي أن يكون ذلك باتباع الأسلوب الحسن والأمثل، وانتقاء أفضل العبارات في التوجيه والنصح، كما قال ربنا جل جلاله: {وقولوا للناس حسنا}، وقال: {ادفع بالتي هي أحسن}، وقال: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}.
تحيني الوقت المناسب الذي يكون فيه زوجك مهيأ للإصغاء، وتشعرين بأنه يمكن أن يتقبل النقاش، فلا يكون ذلك في وقت الغضب، ولا حين يكون ذهنه منشغلا أو متكدرا.
وقد دل على أهمية اختيار الوقت المناسب للنصيحة ما ورد في الحديث: "استب رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه، وتنتفخ أوداجه، فنظر إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فقام إليه رجل ممن سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال له: "أتدري ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آنفا؟ قال: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فقال له الرجل: "أمجنونا تراني؟"
فانظري كيف كان رد هذا الرجل الغاضب، رغم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو من نصحه، فكان ذلك حاله، وكان هذا رده، فكيف بمن هو دونه؟
ولو فتشت في نفسك بإنصاف، لوجدت فيك بعض الصفات السلبية، ولكنه لا يذكرها، بل يتغاضى عنها، لأنه يعلم أن الإنسان لا يمكن أن تكتمل صفاته، وأن التضخيم والتركيز على الصفات السلبية يفسد الحياة.
والاختلاط المحرم هو اختلاط الأجساد بين الرجال والنساء، وهو ما قد يؤدي إلى الوقوع في الحرام، أما ما لا يؤدي إلى المحرم، فليس محرما، كما يحدث في الأسواق، أو في وسائل النقل، أو في الحج والعمرة، وما شابه ذلك، ولو قلنا بغير ذلك، للزم منه تحريم دخول المرأة الأسواق، أو خروجها لشراء حاجاتها، وهذا غير صحيح.
لذا فإن فهمك بأن تواصل زوجك مع زميلاته عبر الرسائل النصية يعد من الاختلاط المحرم، هو فهم غير دقيق، فذلك لا يعد اختلاطا لا من قريب ولا من بعيد، وإصرارك على هذا الفهم قد يوصلك إلى ما لا تحمد عقباه، وقد أحسنت حينما تقدمت بهذه الاستشارة، فالله تعالى يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
من أعظم أبواب الشيطان الرجيم لإفساد الحياة الزوجية، تسويله لبعض الزوجات أن تفتش هاتف زوجها، أو تتجسس عليه وعلى حركته، وما شابه ذلك، وعليه فلا يجوز لك أن تفتشي هاتفه، ولا أن تتجسسي عليه، وكلي أمره إلى الله تعالى. ولكن إذا بدا وظهر أمر دون تفتيش ولا تجسس، فحينئذ لكل حادثة حديث.
ننصح زوجك ألا يبادر بنفسه للتراسل والتواصل مع زميلاته، ولا يقبل طلبهن بأن يبادر هو بالكلام معهن أو توجيههن، ولكن إذا سألته إحداهن فيما يخص العمل، فليكن رده مقتصرا على ما يخص العمل فقط، دون توسع في الكلام؛ فالحاجة في مثل هذا الأمر تقدر بقدرها.
نوصي زوجك بأن يطمئنك بأنه لن يميل إلى أي من تلك الزميلات، فطمأنة الزوجة وجعل قلبها مطمئنا أمر مهم في الحياة الزوجية، وهذا ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أمنا عائشة -رضي الله عنها-، حين ذكرت له قصة أبي زرع، وأنه كان يحب زوجته وتحبه، وكان يكرمها غاية الإكرام، ومريحا لأهل بيته، ولكنه في النهاية طلق زوجته أم زرع، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة مطمئنا قلبها: "وكنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلق"، فقوله "غير أني لا أطلق" كان غاية الطمأنينة لأمنا عائشة -رضي الله عنها-، ولا شك أن تلك الكلمة كانت تساوي عندها الدنيا وما فيها.
احذري من الشيطان الرجيم ووساوسه؛ لأنه يريد أن يفسد حياتك، ويجب عليك أن تبقي ثقتك بزوجك في أعلى نسبها، ولا تسمحي للشيطان أن يهز ثقتك بزوجك، لأنه إذا قدر على تشكيك، فإنه سيتوصل بذلك إلى إفساد حياتك الزوجية.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وسلي الله تعالى أن يصرف عنكما الشيطان الرجيم ووساوسه، وتحيني أوقات الإجابة، ومنها بين الأذان والإقامة، وأثناء السجود، وحين تجدين في قلبك انكسارا لله تعالى، وفي الثلث الأخير من الليل، وما بين العصر والمغرب من يوم الجمعة.
نسأل الله تعالى أن يسعدكما في حياتكما، وأن يصرف عنكما مكدرات الحياة، إنه سميع قريب، ونسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد.
وبالله التوفيق.