تأتيني هستيريا من البكاء والغضب لما يحدث في غزة!

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، منذ أن بدأ العدوان على قطاع غزة وأنا أتابع الأخبار بكل تفاصيلها كل ساعة من ليل أو نهار، حياتي الاجتماعية والدراسية تغيرت بشكل كبير جدا، ضميري يؤنبني ليلا ونهارا، لا أقدر على استئناف حياتي العادية، لم أعد أستمتع بحياتي أو بتفاصيلها، أبكي كل يوم تقريبا، قلبي يحترق ويتقطع من أجلهم!

أصبحت أشعر بالاشمئزاز والعار من نفسي، كل تفاصيل حياتي أربطها بغزة، أشمئز من نفسي حين آكل وأشبع، أشمئز من نفسي وأنا أخلد للنوم في فراش مريح، أبكي وأحترق من الداخل حين أرى أطفالنا نحن يلعبون أو يضحكون، في حين أن أطفال غزة يقهرون، ينزحون، يتعذبون، يموتون قصفا وجوعا وعطشا!

أحيانا تأتيني هستيريا من البكاء والغضب حين أرى مشاهد المجازر المرتكبة، حتى أكاد أفقد عقلي، أتخبط هنا وهناك، كيف لأمة الإسلام أن تقعد كالمتفرج كغيرها من الأمم وإخوتهم يبادون؟! كيف لنا أن نعيش حياة عادية وهم يبادون كل دقيقة! لم أعد أركز في دراستي، وفقدت الاهتمام بشكل شبه كلي، تضاءل محصولي الدراسي، حتى أنني سأزيد سنة أخرى جامعية لأقدم بحثي! أعلم -والله- أن كل شيء بتدبير الله، وأن الله سيزيل عنهم هذا الهم يوما ما، ولكن ما يعذبني كل هذا العذاب هو قعودنا نحن وهواننا نحن، والذل الذي وصلنا إليه كأمة إسلامية، ولو كنا فعلا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لكنا أغثناهم ولو بكيس طحين، كل شيء بالنسبة لي بات نفاقا!

توقفت عن النشر عبر وسائل التواصل؛ لأنني أشعر بأنه أكبر نفاق، ننشر وبعدها نعيش حياتنا، أحاول أن أساعد ماليا، وأتواصل مع أهلنا في غزة، أحاول مواساتهم، أدعو من كل قلبي أن يزيل عنهم الهم، ولكن كل هذا بات غير كاف بالنسبة لي، ولو كان بمقدوري أشياء أخرى لفعلت مهما كان.

أريد استشاراتكم في ماذا يمكنني أن أفعل غير الذي ذكرت سابقا؟ فالنعيم الذي أعيش فيه أصبح جحيما!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ضحى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك التواصل، ونشكر لك الاهتمام والاغتمام بأهلنا وأطفالنا في غزة، نسأل الله أن يرفع الغمة عن الأمة، والبلية عن البشرية، وأن يعجل بنصرهم، وأن يعيننا على القيام بواجبنا تجاههم، فإنها مسؤولية أمة، والمسلم أخو المسلم، لا ينبغي أن يخذله أو يسلمه، والتقصير في حقهم جريمة كبرى، نسأل الله العظيم أن يعيننا على الخروج من التقصير في شأن إخواننا المستضعفين في غزة وفي غيرها.

ونبشرك بأن ما حصل لك من الهم والغم والحزن مما تؤجرين عليه، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا حضرهم الطعام، يتذكرون مصعب بن عمير، وحاله قبل الإسلام، والحالة التي وصل إليها بعد أن أسلم، مرورا بتضحياته في سبيل الله تبارك وتعالى؛ وهذا مما يحفز الإنسانة على الأعمال الإيجابية، لكننا لا نريد لهذا الحزن أن يصل بك إلى درجة القعود، أو يدفعك للتقصير في الدراسة وفي بعض الواجبات.

واعلمي أن تفوق أمثالك ونجاحك في الحياة من أكبر ما يضمن للأمة رصيدا من المنتصرين لقضاياهم وجراحاتهم؛ ولذلك هذا الحزن، وهذا الهم والغم، ينبغي أن يتحول إلى عمل إيجابي، تساعدين به أهل غزة كما أشرت، بشتى الصور المتاحة، وبشتى الطرائق الممكنة.

ونحن نعتقد أن الأمة تستطيع أن تفعل الكثير من خلال ما أشرت إليه من الدعاء، ومن الدعم، ومن التعريف بقضيتهم، ومن كثرة الدعاء لهم، وأيضا بأن نكون نحن مطيعين لربنا -تبارك وتعالى- فكل من يطيع الله يساهم في النصر، وكل من يعصي الله يساهم في الهزيمة -عياذا بالله-؛ لأننا أمة تنتصر بطاعتها لله، وتنكسر بعصيانها لله تبارك وتعالى.

واعلمي أن كل مسلمة ومسلم على ثغر من ثغور هذا الدين، وينبغي أن يكون الهتاف الذي يملأ نفوسنا: "بئس أنا إن أتي المسلمون من قبلي"، والأمة تؤتى من قبلنا ومن قبل أي إنسان إذا قصر في طاعته لربه، إذا بارز الله بالعصيان، إذا لم يقم بواجباته، وبالتالي ينبغي أن نقوم بما علينا.

أما أهل غزة – الذين نسأل الله أن يعجل بنصرهم – فلهم الوعد الماضي، لا يضرهم من خالفهم، ولا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، والإنسان إنما يعمل لمصلحة نفسه ونجاتها، فالتي تساهم من أجل أهل غزة إنما تعمل لنفسها، ﴿من عمل صالحا فلنفسه﴾ ومن أساء ومن قصر فعليها.

ولذلك استمري فيما أنت عليه من الخير، وحولي هذا الهم والحزن والغضب لأهل غزة إلى عمل إيجابي، تساهمين فيه في نشر الإسلام، وفي نشر قضيتهم، وفي الدعاء لهم، وفي دعوة الآخرين للقيام بما عليهم.

نحن بحاجة إلى أعمال إيجابية، وكل إنسان سيحاسب على ما يستطيعه ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾، لكن الذي يستطيع 70% لا يقبل منه 50%، فكل سيحاسب حسب القدرات والمواهب والملكات والنعم التي أعطاه الله إياها، وبعد ذلك بمقدار مساهمته في نصر إخوانه، ينال الأجر والرفعة عند الله تبارك وتعالى.

وثقي -يا ابنتنا- أن الكون ملك لله، وأنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله تبارك وتعالى، وشكرا لك على هذه المشاعر، ونحن نفاخر بأمثالك ممن تحمل هم أمتها، والأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

فأنت على خير، والذي نريده أبدا هو أن تتحول هذه الهموم والأحزان -وهي في محلها- إلى أعمال إيجابية نافعة للأمة ولأهلنا في غزة.

نسأل الله أن يوفقك، وأن يعجل بنصر أهلنا في فلسطين، والمظلومين والمستضعفين في كل مكان، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات