هل للشيخ المربي أن يقاطع طالبه إذا تكررت منه الانتكاسة؟

0 2

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ما موقف الشيخ المربي من شاب جاءه وهو عاص، ثم تاب توبة نصوحا، ثم انتكس بسبب التدخين، ثم تاب من نفسه، ثم انتكس مرة أخرى لشهرين، ثم تاب من نفسه؛ لأنه لا يريد أن يغضب الله تعالى؟

هل يحل للمربي أن يقاطعه؟ مع العلم أن الشيخ عمره في بداية الستينات، ونفسيته سيئة جدا، وقد سيطر عليه حزنه من الشاب، فقام بمقاطعته، فهل يحل له ذلك؟ مع العلم أن الشيخ يمثل للشاب كل شيء؛ فهو بمثابة الأب، والصديق المقرب، والشريك في أكثر من عمل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولا: من نعمة الله على الشاب أن يقيض الله له شيخا مربيا يأخذ بيده وينصحه ويعاونه على الترقي في درجات الاستقامة والخير، وقد ورد عن بعض السلف قوله: "إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك -أي إذا بدأ طريق الاستقامة- أن يؤاخي صاحب سنة يحمله عليها"، ومعنى يحمله عليها: أن يتخذ من الأساليب ما يكون سببا في الاستقامة والثبات عليها.

ثانيا: يظهر مما ذكرته عن هذا الشيخ المربي أنه كان له دور مشكور في صلاح حال هذا الشاب بأسلوب حسن، جعل الشاب يتعلق به ويتألم بسبب مقاطعته له.

ثالثا: ما سألت عنه من (مقاطعة الشيخ للشاب) يسمى في الشريعة الهجر، وهو تصرف تأديبي له آثار كبيرة إذا روعيت المصلحة والحكمة في توقيته وأسبابه، ومراعاة ما يترتب عليه من آثار.

ومشروعية الهجر في الشريعة مأخوذة من أدلة كثيرة، منها قصة الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا بلا عذر عن غزوة تبوك، والذين جاءت قصتهم في سورة التوبة في قوله تعالى: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم﴾، ثم جاء خبر توبة الله عليهم في آخر السورة، وسرد القصة مليء بالدروس التربوية، وخصوصا حديث توبة كعب بن مالك، أحد هؤلاء الثلاثة، الذي ورد حديثه في الصحيحين.

رابعا: لعل ما فعله الشيخ مع هذا الشاب صورة من صور الهجر، غرضه تحقيق حالة من الحزن والندم لدى الشاب ليكون سببا له في العودة لطريق الطاعة، لا سيما وقد تكررت منه الانتكاسة عدة مرات، وهذا هو الظن بمثل هذا الشيخ المربي الذي ذكرت تقدمه في السن، ما يقوي الظن بحكمته وخبرته.

خامسا: مقاطعة الشيخ لمن يتربى على يديه أمر مشروع، لكن على الشيخ أن ينظر في أثر هذه المقاطعة على الشاب، وأن يتخذ من الإجراء ما يتناسب مع ذلك، سواء ببقاء مقاطعته مع توجيه شباب صالحين للتواصل معه ومساعدته على العودة إلى طريق الصلاح، أو بإنهاء المقاطعة إذا أصبحت سببا في زيادة ابتعاد الشاب.

سادسا: يجب التنبيه على شدة تعلق الشاب بالشيخ، وتعبيرك أنه "يمثل كل شيء للشاب"، فهذا يدل على شدة المحبة، لكن يخشى على الإنسان إذا تجاوز التعلق بالحد الشرعي أن يدخل في مزالق شرعية كبيرة.

سابعا: التعلق بالله يجب أن يكون أكبر من أن ينهار لغياب أحد، كائنا من كان، وهذا الارتباط الزائد بين المربي والمتربي قد يكون ضعفا من المتربي، أو خطأ من المربي بزيادة ربط طالبه به، والمربي الموفق يربط المتربي بالله تعالى لا بنفسه، وهو حال النبي ﷺ وأتباعه، كما قال تعالى: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ..﴾ [يوسف: 108].

ثامنا: يقال لهذا الشاب الحريص على مقاومة هواه بالتوبة كلما زلت قدمه: لا تيأس من رحمة الله، ولا تستسلم لتحبيط الشيطان لك، بل اسع في استكشاف سبب انتكاساتك المتكررة، وعد إلى الله كلما استزلك الشيطان إلى معصية، واجعل تعلقك بالله أعلى من كل تعلق.

ويقال له: تأمل هذا الحديث العظيم في الصحيحين عمن غلبت نفسه على المعصية، فقد قال النبي ﷺ: إن عبدا أصاب ذنبا فقال: رب أذنبت فاغفر لي، فقال ربه: ‌أعلم ‌عبدي ‌أن ‌له ‌ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت ذنبا آخر فاغفره؟ فقال: ‌أعلم ‌عبدي ‌أن ‌له ‌ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: ‌أعلم ‌عبدي ‌أن ‌له ‌ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثا، فليعمل ما شاء (رواه البخاري) أي: ما دام كلما أذنب استشعر عظمة الله فندم واستغفر، فليواصل في هذا الطريق.

تاسعا: على الشاب أن يحول حزن الشيخ وغضبه ومقاطعته له إلى دافع يزيد من نفوره لحالة الانتكاسة والعصيان، لا أن يسعد الشيطان بإساءته الظن بالشيخ أو بقطع علاقته به، ما قد يجعل أصدقاء السوء يستغلونه.

عاشرا: على هذا الشاب أن يتعلم من أسماء الله تعالى وصفات جلاله وجماله وكماله، ما يجعل تعلقه به سبحانه أكثر من كل مخلوق، وإذا كان هذا الحزن منه لغضب شيخه، فعليه أن يعلم أن غضب الله على عبده -إذا هو أعرض عنه بعد أن قربه إليه- أشد وأعظم ألما لمن كان قلبه حيا.

نسأل الله أن يحيي قلوبنا، ويزيدنا تعظيما له وخشية، وأن يهدينا ويثبتنا، وأن يجزي عنا خيرا كل من كان سببا في ذلك.

مواد ذات صلة

الاستشارات