علقت على أبواب شقق عمارتنا إعلاناً دعوياً فنهرني أحدهم!

0 5

السؤال

فكرت سابقا في نشر إعلان لتحفيظ القرآن الكريم، تطوعا مني لرغبتي في تنظيم حلقة، ورأيت أن من أقرب الوسائل إلى القلوب هي الدعوة الفردية والتخصيص، فعلقت على بعض شقق عمارتنا ورقة صغيرة تحتوي على الإعلان.

والأغلب -بفضل الله- فرحوا به وتم تنظيم الحلقة، لكن المشكلة أن أحد المسؤولين من سكان العمارة نهرني بكلام جارح، محتواه: "كيف تعلقين أوراقا على الشقق؟ العمارة ليست دار تحفيظ!، وذلك في "قروب" السكان أمام عدد كبير منهم.

حينها شعرت بإحراج شديد، وليتني عرفت كيف أرد عليه وأحرجه كما فعل، لكنني اكتفيت بالقول: "أنا غير متفقة، ومع ذلك سأمسح الرسالة"، (وأقصد الإعلان الذي أرسلته في القروب).

وبعدها رد برد لطيف جدا؛ مما زاد من شعوري بالغيظ لقدرته على الخروج من الموقف وكأنه بريء، ولا أحد رد عليه، بل التزم الجميع الصمت.

لكن فيما بعد، تحدث بعضهم فيما بينهم بأن تصرفي كان صحيحا، ولا خطأ فيه.

سؤالي: كيف أتجنب ظلم نفسي، أو لومها بمجرد تعرضي لنقد عنيف؟ وكيف أفرق بين التصرف الصحيح والخاطئ في المواقف الاجتماعية؟

أشعر بمسؤولية دينية، وأنه يجب أن أكون قدوة في التصرف، وفي الوقت نفسه، يجب أن أتقبل أخطاء نفسي ولا أجور عليها بهذا القدر.

مع العلم أن أحد الثقات أشار علي بلين أن في الأماكن الخاصة يجب الاستئذان قبل تعليق أي ورقة، ولم يخطر ببالي هذا الأمر، فقد كان في فكري أنها خدمة وإحسان.

وأضيف أنني تربيت في بيئة تحفظية بعض الشيء، فلا أحد يشير علي بتصرفات سليمة في المهارات الاجتماعية، أو يقدم لي تغذية راجعة، بل أتعلم أغلب الأمور – وإن كانت منطقية للناس – بالتجربة والندم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية: نسأل الله جل وعلا أن يجزيك خيرا على حب الإحسان إلى جيرانك، وحرصك على تعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وأن يبارك في هذه الحلقة التي بدأت، وأن تكون فاتحة خير عليك وعلى أسرتك وجيرانكم، وقد اشتملت استشارتك على عدد من النقاط، لعلنا نجيب عليها بإيجاز:

أولا: ما أشرت إليه من قيامك بتعليق هذا الإعلان، واختيارك لبعض البيوت دون بعض لتعليق الإعلان عليها، دليل على أنك اخترت تلك البيوت بناء على معيار معين، فحبذا لو طورت مثل هذه المعايير، حتى لا تعلقي الإعلان إلا على بيوت من تعلمين فيهم الرغبة والفرح بمثل هذا، ممن بينك وبينهم شيء من التواصل بحيث يمكنهم مراجعتك دون أن يرفعوا الأمر إلى مسؤولي السكن في العمارة.

ثانيا: الظاهر أن أبواب شقق الجيران من الأمور الخاصة التي لا يصح التعليق عليها إلا بإذن أصحابها؛ فالناس ليسوا سواء في تقبلهم لوضع الإعلانات على أبوابهم ولو كانت لأمور حسنة.

ثالثا: كون أحد المسؤولين عن العمارة قد لامك على هذا الفعل؛ فهذا من صلاحياته، فإن الباب إذا انفتح قد يصعب ضبطه، وربما كان فوق هذا المسؤول من يلومه إن ترك مثل هذه الظواهر، فالأصل أن تلتمسي له العذر والتفسير الحسن، لا سيما وقد ذكرت أنك قبلت هذا الكلام لما جاءك من أحد الجيران بصورة لينة.

رابعا: الأصل أن يتحدث معك هذا المسؤول بلغة حسنة، أما استخدامه للأسلوب غير المناسب فخطأ منه، ولكن لا بد لمن يتصدى لدعوة الناس إلى الخير أن يكون مستعدا لمثل هذه الردود متهيئا لها؛ فإن الدعوة إلى الخير لا يقابلها كل الناس بالترحاب، بل ربما قابلوها بشيء من الشدة وسوء التعامل.

خامسا: تصرفك بعدم الرد عليه وعدم إحراجه توفيق من الله لك، والحمد لله الذي صرفك عن الرد حتى لا يصبح الأمر انتصارا للنفس لا حرصا على الطاعة؛ مما يؤثر على نيتك وأجرك، وقد يضعف صورتك أمام بقية جيرانك الذين تمثلين قدوة لبعضهم، وواجب عليك أن تجاهدي نفسك بطرد الأفكار السيئة داخلك التي تدعوك لبعض صور الانتقام.

سادسا: حزن الإنسان بسبب توجيه لوم شديد له أمر طبيعي، لكن العاقل هو من يكتم مشاعره حتى لا تؤثر على أهدافه، وهذا من الأمور المهمة في التعامل مع الناس؛ يكسب بها الإنسان كثيرا، وربما تحول بها العدو إلى صديق، كما قال الله تعالى: ﴿ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم﴾.

سابعا: ما أشرت إليه في آخر سؤالك من أنك لم تجدي في بيئتك من يعلمك المهارات الاجتماعية، فهذا يؤكد عليك أن تحرصي على القراءة في موضوع مهارات التعامل مع الناس لا سيما ذوي الطباع الصعبة منهم، ثم إذا تولدت عندك فكرة دعوية لها علاقة بالتواصل مع الناس، فاحرصي على أن تشاوري فيها أهل الخبرة، ولا تتعجلي في أمر حتى تدرسيه بصورة جيدة، وتنظري في إيجابياته وسلبياته، وتتحسبي لما يمكن أن يواجهك من ردود أفعال غير محبوبة، وتستعدي لذلك.

بارك الله في حرصك وزادك من فضله، وجعلنا وإياكم من أهل القرآن والدعوة إلى الخير، والله يرعاكم.

مواد ذات صلة

الاستشارات