لا أعمل لعذر صحي والدولة تنفق عليّ، فهل تنصحونني بالزواج؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا مريض نفسي باضطراب ما بعد الصدمة PTSD، وتحدث لي نوبات هلع ووسواس قهري، وقد خضعت للعلاج بالمصحة بخصوص الوسواس ونوبات الهلع، وأخذت مضادات الاكتئاب ثلاثية القطب، وحاليا بدأت بالعلاج السلوكي بخصوص اضطراب ما بعد الصدمة.

حالتي الاجتماعية: عمري 22 سنة، أقيم في بلد غربي منذ الصغر، ولدي صنعة (ميكاترونيك سيارات)، وحاليا أدرس في الثانوية مرحلة البكالوريا، وعاطل عن العمل بسبب مرضي، وغير قادر على العمل في الوقت الحالي، ولكن آخذ مساعدات -راتبا شهريا- من الدولة، والدولة تدفع لي إيجار البيت، بالمختصر: الدولة تساعدني في أمور الحياة.

سؤالي الأول: لقد كثرت علي الفتن، وأريد أن أتزوج لأعف نفسي، وأهلي لا يريدون أن يزوجوني إلا بعد أن يكون لدي عمل، ولكن حتى وإن لم يكن لدي عمل فأنا أستطيع أن أصرف على البيت؛ لأنه كما قلت تأتيني مساعدات من الدولة، فكيف أتعامل مع أهلي بخصوص هذا الشيء؟

وسؤالي الثاني: بخصوص حالتي النفسية، فقد أصبت بالاكتئاب ونوبات الهلع حديثا، ولكنني أستطيع السيطرة على نوبات الهلع، إلا إن المعضلة الكبيرة في مرضي هي أنه عندما تحدث لي حالة الاكتئاب أكون في كثير من الأحيان مجهدا، ولكن مع ذلك أقوم بأمور الحياة، كتنظيف المنزل، وشراء الحاجات الضرورية الأخرى، فهل تنصحوني بالزواج أم لا؟

أفيدوني بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن -حفظه الله-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

أولا: ما تمر به من اضطراب نفسي، ونوبات هلع هو بلا شك ابتلاء وامتحان يحتاج منك إلى التسليم والرضا بما قدره الله تعالى، قال رسول الله ﷺ: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط (رواه أحمد وابن ماجه والترمذي)، فليكن قلبك مطمئنا وراضيا بقضاء الله وقدره، وقد جاء في الصحيح قوله ﷺ: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه (رواه البخاري).

واعلم -وفقك الله- أن عاقبة الصبر والرضا الجنة -بإذن الله-، ففي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء؛ أتت النبي ﷺ فقالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك. فقالت: أصبر، ولكن ادع الله ألا أتكشف. فدعا لها (رواه البخاري).

ثانيا: الزواج باب عظيم لإعفاف النفس، وقد أحسنت في سعيك إليه، ولكن لا بد أن تدرك أن الزواج أعباء ومسؤوليات تحتاج إلى قدرة على إدارة شؤون الأسرة، وحسن التعامل مع شريكة الحياة، ومع وضعك الصحي الحالي، فإن الأمر يتطلب منك تقييما لحالتك النفسية بشكل دقيق وواضح، وفهم مدى تأثيرها على قرار الزواج، وقدرتك على التعايش مع مسؤولياته المختلفة.

ثالثا: رغم أننا نؤيد رغبتك في الزواج، إلا إننا ننصحك بالتفكير بهدوء وعقلانية، بعيدا عن النظر إلى الزواج فقط كوسيلة لإعفاف النفس، فاضطراب ما بعد الصدمة، ونوبات الهلع، والوسواس القهري يحتاج منك إلى وعي وإدراك قبل اتخاذ هذا القرار المصيري.

رابعا: الزواج مسؤولية تحتاج إلى قدر من الاستقرار النفسي، على الأقل أن تكون الأعراض تحت السيطرة والتحسن التدريجي، وأن يكون لديك برنامج علاجي مستمر يساعدك على التحسن، وصولا للشفاء -بإذن الله-.

خامسا: قد أحسنت بمواصلة العلاج السلوكي المعرفي مع المختصين، فهذا هو الطريق الصحيح، ولكن تذكر أمرا مهما، أن الزواج مع وجود حالة نفسية مضطربة، أو غير مستقرة، قد يضيف أعباء جديدة إن لم تكن مستعدا لها، فيتحول الزواج من مصدر دعم إلى مصدر ضغط أكبر.

سادسا: من الناحية الشرعية، فالقدرة المالية على الإنفاق شرط للباءة، ولا يشترط أن تكون لديك وظيفة تقليدية؛ فالمعيار هو قدرتك على توفير أساسيات الحياة الكريمة للزوجة، فإذا كانت المساعدات التي تتلقاها من الدولة تكفي لتأمين السكن والمعيشة الأساسية، فهذا يحقق الحد الأدنى للنفقة، ولكن عليك أيضا وضع احتمال تغير هذه المساعدات، أو القوانين المنظمة لذلك، والسعي لتأمين مصدر دخل أكثر استقرارا تعتمد عليه أكثر، متى ما سمحت حالتك الصحية.

سابعا: تعامل الأهل ورفضهم قد لا يكون تعنتا، بل حرصا على استقرارك وقدرتك على تحمل المسؤولية، ورغبتهم في رؤيتك سعيدا وناجحا في أسرتك، لذلك، فالحوار معهم ينبغي أن يكون هادئا ومدعوما بخطة واضحة، تتضمن الرد على مخاوفهم المحتملة، مثل: تعريفهم بقدرتك الحالية على الإنفاق، وتوضيح أنك في مسار علاجي مستمر، وحالتك تتحسن.

رابعا: هل ننصحك بالزواج أم لا؟ من منظور سلوكي وديني، هناك معايير لاتخاذ قرار الزواج مع مثل حالتك -شفاك الله-:
• إذا كانت نوبات الهلع والاكتئاب تحت السيطرة، ولا تمنعك من أداء واجباتك اليومية، فهذا مؤشر إيجابي.
• الزواج التزام بحقوق وواجبات شرعية وإنسانية تجاه الزوجة، وليس مجرد إعفاف للنفس.
• وجود دعم اجتماعي من الأهل أو الزوجة المحتملة يقلل من المخاطر النفسية.

لذلك، إن كانت الأعراض النفسية ما زالت تعيقك أحيانا عن التواصل، أو أداء المسؤوليات، فالأفضل التريث قليلا، والتركيز على تحسين حالتك أكثر، حتى تدخل الحياة الزوجية وأنت أكثر قوة واستقرارا -بإذن الله تعالى-.

أخيرا -أخانا الفاضل-: الزواج نعمة عظيمة، ووسيلة للعفة والاستقرار، لكنه في نفس الوقت مسؤولية تحتاج إلى استعداد مادي ونفسي، فإذا وجدت في نفسك ميلا قويا للزواج، ورأيت أن عندك قدرة مالية ونفسية مناسبة، فاستخر الله تعالى، ووضح كل هذا لمن ستتقدم لخطبتها، ولعل المستشار النفسي سيفيدك أكثر من الناحية النفسية في مدى جاهزيتك من الناحية العلاجية، لتبدأ حياتك الزوجية على أسس متينة.

وفقك الله، ويسر أمرك، وسدد خطاك.
________________________________
انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ صخر الغزالي -مستشار تربوي-
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عمر آل طاهر -استشاري أول الطب النفسي العام-.
________________________________

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

إضافة لهذه الإجابة الوافية من الدكتور/ صخر الغزالي، بخصوص سؤالك حول: هل هناك نصيحة حول الزواج أم لا؟ أؤكد من ناحية الطب النفسي أن ما ذكره الدكتور/ صخر هي إجابة وافية تشتمل على كل جوانب الموضوع.

فمن المهم جدا أن تتلقى العلاج المناسب لحالتك النفسية، حتى تحدث الاستجابة الكاملة للعلاج، وهي مسألة قد تتطلب وقتا ليس إلا، وخاصة أنك كما ذكرت تستخدم العلاج الدوائي، وكذلك العلاج النفسي، وبدأت في العلاج السلوكي، وهذا أمر إيجابي، وسيكون في ذلك الشفاء -إن شاء الله-، وحدوث الاستجابة الكاملة للعلاج.

وذكرت أن حالتك النفسية تؤثر أحيانا على قدرتك على العمل، وكذلك على نشاطاتك اليومية، وبالتالي في هذه الفترة قد يكون من الصعب القيام بدورك المناط بك من ناحية مسؤولية الحياة الزوجية، وبالتالي من الأفضل الانتظار حتى تستجيب للتدخلات العلاجية، ومن ثم بعد ذلك تواصل حياتك الاجتماعية بالشكل الصحيح.

وخاصة أن العلاج نفسه قد يكون له جانب اجتماعي مهم جدا، وهو يتطلب التعاون مع أسرتك والمشاورة، والاشتراك معهم في القرارات.

بشكل عام، يمكن القول إن المرض النفسي لا يمنع الزواج، ولكن القدرة على الزواج أو النصيحة به ترتبط بتحقيق الاستشفاء النفسي، واستخدام العلاج المناسب.

نسأل الله لك التوفيق، وأن يسدد خطاك.

مواد ذات صلة

الاستشارات