ما هي الوسائل الشرعية للتخلص من الوساوس؟

0 5

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذه الخدمة.

أنا كنت إنسانة ملتزمة، ولم تكن لدي انحرافات فكرية، ولكن لدي وساوس مثل الإعادة وغيرها، إلى أن وصلت إلى آخر مرحلة في الثانوية العامة، كنت أقرأ كتب العقيدة، وشعرت كأنني لأول مرة أدرك أننا نعبد الله، فكنت أرغم نفسي على ذلك، كنت أكتب وأتحدث عن أننا نعبد الله، وأكرر ذلك بصيغ متعددة.

تعرضت للاكتئاب، وحاولت الدخول في الإسلام أكثر من مرة، لكنني فشلت واستسلمت، وهذا منذ ثلاث سنوات، حاولت الرجوع في الفترة الأخيرة، ولكن في كل مرة أسقط، ولا ألبث يومين حتى أشعر وكأنني أحمل حديدا فوق رأسي، وكأن لدي قابلية عالية للسقوط.

لا أستطيع النوم بسبب العذاب والأفكار من جميع النواحي، وهذا أحد الأسئلة التي أعاني منها، لأنني في عملية تصفية أفكار، وأعاني من صداع، وعدم القدرة على الراحة.

أفكاري ووساوسي تتركز حول تسبيح المخلوقات لله: هل الصابون يسبح؟ هل الغسول يسبح؟ هل المكنسة، أو كل ذرة تسبح؟ هل المصعد يسبح؟ عندما أسمع صوت مخلوق، هل يسبح؟ هل اللغات أو الكلمات مثل "في" أو "أي"، أو حتى كلمة "سيتافيل"، تسبح وتسجد لله؟ هل الصوت، أو المايك، أو المكيف، أو المواد الكيميائية تسبح؟

حتى عند قراءة أقوال بعض العلماء مثل عكرمة، الذين يقولون إن "الأسطوانة لا تسبح"، لا أستطيع الثبات أو ممارسة حياتي، في يوم انتكاسي، أشعر بعذاب ليوم أو يومين، وأنام طوال اليوم، وأشعر بالخذلان، رغم أنني كنت أدعو الله.

نمطي في الدخول إلى الإسلام فجائي، وأحلامي أحيانا سيئة، وكل جمعة أشعر وكأنها تهديد من الله، أصلي كل الصلوات، لكنني أقول لنفسي: لماذا أتعب نفسي؟ أدخل الإسلام ثم تبدأ المعاناة والاضطرابات النفسية.

أحتاج علاجا لهذه الفكرة من الناحية الشرعية، وأريد أن أفهم ما هو الواجب في الإيمان بهذه الأمور، وما هي الحقيقة فيما يتعلق بالتسبيح والسجود المطلوب منا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك - ابنتنا العزيزة - في استشارات إسلام ويب.

أولا: نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يمن عليك بالشفاء والعافية، وأن يذهب عنك شر هذه الوساوس.

ثانيا: نصيحتنا لك -ابنتنا العزيزة- أن تدركي أن الوسوسة مرض من الأمراض، التي قد تعرض للإنسان، بسبب اختلال في بدنه، أو لغير ذلك من الأسباب، وينبغي لمن أصيبت بشيء من هذا، أن تتعامل مع الأمر وفق قانون الأسباب، التي بنى الله -سبحانه وتعالى- عليها هذه الدنيا، فإن النتائج مربوطة بالمقدمات، والأمراض التي تعرض للإنسان ويصاب بها، من أقدار الله -سبحانه وتعالى- التي قدر أنها تدفع أيضا بالأسباب، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، ثم قال: تداووا عباد الله.

فإذا أدركت هذه الحقيقة، علمت أن المطلوب منك في هذه الحالة التي تعيشينها، أن تأخذي بالأسباب، لدفع هذا الشر عن نفسك، فإن الوسوسة مرض وشر مستطير، وإذا استسلمت لها أوقعتك في أنواع من المعاناة، وأنت تعيشين جزءا من هذه المعاناة، فكوني على ثقة من أن الله -سبحانه وتعالى- سييسر لك الأمر، وسيطرد عنك هذا الشر، فخذي بالأسباب مستعينة بالله تعالى، وهذه الأسباب قسمان:

القسم الأول: أسباب حسية مادية، بأن تراجعي الأطباء المختصين، فإنهم قد يصفون لك من الأدوية ما يعين الجسد على اعتدال مزاجه ورجوعه لحالته الطبيعية.

القسم الثاني من الدواء هو: الدواء الروحي، باتباع ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأسباب والوسائل التي تقطع الوساوس وتدفعها عن الإنسان، وهذه النصائح النبوية لخصها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاث وصايا:

النصيحة الأولى: تحقير هذه الوساوس، وعدم الالتفات إليها والإعراض عنها، فكلما داهمتك الأفكار الوسواسية أشغلي نفسك بشيء آخر، أي شيء كان، يكون نافعا لك في دين أو في دنيا، معتقدة أن هذه الوساوس لا تستحق منك الاعتناء والاهتمام، فهي مجرد خواطر شيطانية، مقصودها تنكيد العيش عليك وإيقاعك في الحرج، وليس فيها نفع لك، لا في دين ولا في دنيا، بل الخير كل الخير ورضا الرحمن في الإعراض عنها، كما قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان﴾.

هذه الخطوة عبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنصيحته لمن أصيب بالوسوسة حين قال له: فلينته، يعني كلما عرضت لك الوسوسة، انته عنها واشتغل بغيرها.

والوصية الثانية: اللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- وطلب الحماية منه، فكلما داهمتك هذه الأفكار قولي: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وتعودي على هذا السلوك، فإنه استعانة بالله -سبحانه وتعالى- وطلب للحماية منه.

والوصية الثالثة: الإكثار من ذكر الله تعالى عموما، بالتهليل والتحميد، ونحو ذلك، وقراءة القرآن، وشغل النفس بهذا النوع من العبادات؛ فإن فيها ما يملأ الفراغات الموجودة في نفسك وفي قلبك وفي روحك، وبذلك لا تجد الوساوس محلا لها، كما أن الأذكار أيضا من أعظم الأسباب لطرد الشياطين عنك، وتحصينك من شرورهم.

كوني على ثقة أن الله -سبحانه وتعالى- سيمن عليك بالعافية، وسيخلصك من هذا الشر، وبهذا تعرفين أن العلاج والدواء الحقيقي لمشكلتك هو الإعراض عن هذه الأسئلة التي وضعتها في استشارتك هذه، فإن بحثك عن إجابات لأسئلة الوساوس إنما هو في الحقيقة تثبيت لها وتعزيز وتقوية، والخير كل الخير في الإعراض عنها، وليس هناك دواء أنفع من هذا الإعراض.

أما ما شغلك من كيفية تسبيح المخلوقات، فإن المخلوقات كلها تسبح لله -سبحانه وتعالى- كما قال الله تعالى: ﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده﴾، ولست معنية أبدا بمعرفة هذه الكيفية؛ كيف تسبح هذه المخلوقات، والعلماء يقولون: تسبيحها يحتمل أحد أمرين: يحتمل أنها تسبح من خلال أدائها لوظائفها التي خلقها الله تعالى من أجلها، ويحتمل أن يكون تسبيحا حقيقيا بكيفية لا نعرفها نحن ولا نعلمها، ويكفينا هذا القدر، أن نؤمن بأن كل شيء خاضع لله -سبحانه وتعالى- كل شيء مؤد للوظيفة التي خلقه الله تعالى من أجلها.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن ييسر لك التخلص من شر هذه الوساوس، ويكتب لك العافية منها.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات