السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد تعرضت لظلم كبير شمل الإهانة والضرب والسحر والعين والخيانة، وأريد أن أسامح لوجه الله، ولكن في نفس الوقت أريد ممن ظلموني أن يشعروا بما شعرت به؛ لأنني وصلت إلى التفكير في الانتحار، والعياذ بالله.
كنت أدعو الله أن يضعهم في نفس الموقف ويعانوا من نفس المشاكل عدلا منه، ولكنني كدت أن أموت فجأة، فقلت في نفسي: سأسامح كل من آذاني، ولطف الله بي.
أريد أن أسامح وأعفو لأحصل على الثواب، ولكني لا أريدهم في حياتي، فهل علي ذنب في ذلك؟
الكثير من المشاكل التي مررت بها لا يعرفها أحد، وكنت أريد أن أبرئ نفسي عندما يقعون في نفس المشاكل ويتيقنون من عدل الله، ويتأكدون من ظلمهم لي ولأولادي، ثم قرأت أنه عندما أسامح فإنهم لن يشعروا أبدا بما شعرت به.
سؤالي هو: هل أسامح وأتغلب على شيطاني لأكسب الثواب؟ أنا لا أريدهم في حياتي، وهم أهل زوجي كلهم، ولكن أولادي وزوجي على علاقة حسنة بهم، وأنا لا أذكرهم بخير أو بشر، والله ما كنت أريد إلا أن أعيش في سلام.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ nosa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - أختنا الكريمة - في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك لمحاسن الأخلاق والأعمال.
نحن نتفهم - أختنا العزيزة - مدى الضيق الذي تعيشينه بسبب ظلم الآخرين لك، ولكن كوني على ثقة كاملة بأن الله - سبحانه وتعالى - إذا أراد بعبده خيرا قدر له بعض المنغصات التي تؤلمه وتؤذيه، سواء كانت هذه المنغصات بسبب الناس، أو بتقدير الله تعالى له ما ينغص عليه عيشه من الآلام أو الأمراض أو الفقر، أو غير ذلك.
وهذه المنغصات يقدرها الله تعالى بحكمته إذا أراد بعبده خيرا؛ فإن هذا الإنسان المبتلى لا يصيبه شيء من هذه المنغصات - صغيرا كان أو كبيرا - إلا كفر الله تعالى به من خطاياه وذنوبه، حتى الشوكة يشاكها، كما قال الرسول ﷺ.
فينبغي للإنسان المؤمن والمرأة المؤمنة أن يتعاملا مع هذه المؤذيات بهذه النظرة التي تعين على تحمل هذا المؤذي واحتساب الأجر والثواب الذي يلحقه ويأتي بعده، وإذا ظلم الإنسان من الناس؛ فينبغي له أن يدرك تماما أن هذه المظلمة قد تتحول إلى نعمة كبيرة في حق هذا الإنسان.
وقد أخبر النبي ﷺ بأنه من أصيب في جسده بشيء فتركه لله كان كفارته (رواه أحمد)، وهكذا سائر المظالم، إذا استطاع الإنسان أن يتغلب على نفسه ويحتسب أجره عند الله تعالى، فإن ذلك خير كثير، فقد قال - عليه الصلاة والسلام-: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم (رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد)، وقال ﷺ في الحديث الذي رواه مسلم: وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وقال في الحديث الآخر: فاعفوا يعزكم الله (رواه البزار).
فالعفو عن الناس سبب من أسباب الرفعة في الدنيا والآخرة، فإن الخلق في الدنيا يحبون الإنسان المتسامح الكريم، ويضع الله تعالى له في قلوبهم مكانة، وفي الآخرة يرفعه الله تعالى بسبب ثواب ما فعل، وقد وصف الله تعالى أهل الجنة في كتابه الكريم في سورة آل عمران بقوله سبحانه وتعالى: ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾.
فنصيحتنا لك - أختنا الكريمة - أن تستمري على ما أنت عليه من المسامحة والعفو، فإن ذلك خير كثير لك، كما قال الله تعالى: ﴿فمن عفا وأصلح فأجره على الله﴾.
ولا تترددي في ذلك، ولا تنتظري من الناس جزاء ولا ثوابا على ما تفعلين من الأعمال الصالحة، وإنما انتظري الجزاء من الله عز وجل، وهذا الجزاء عاجل وآجل، منه ما هو في الدنيا، ومنه ما هو في الدنيا والآخرة، وإذا قدر الله تعالى أن يدخر لك الثواب كله في الآخرة، فإن الله تعالى أرحم بك من نفسك، وأعلم بمصالحك.
فلا تتضايقي إذا لم تجدي أثرا لهذا العمل في دنياك، وهو لا بد أنه مؤثر في هذه الدنيا، فإنه سبب جالب لراحة قلبك، وسعة صدرك، وراحة نفسك، وسبب أيضا لجلب البركات في رزقك، وفي نفسك، وفي أولادك وذريتك، وسبب كذلك في دفع الشرور عنك.
فلا تظني أبدا أن ثوابك ضائع، فإن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، هكذا قال الله في كتابه عن نفسه.
أما أنك لا تريدينهم في حياتك؛ فهذا أمر آخر، فالواجب عليك أن تتفهمي في القدر الواجب عليك من صلة الرحم لمن له رحم عليك، فلا يجوز لك أن تقطعيه، بل الواجب صلة الأرحام، وهم: الآباء والأمهات، والأبناء والبنات، والأحفاد، يعني أصول الإنسان وفروعه، وإخوانه وأخواته، وأعمامه وعماته، وأخواله وخالاته.
فهذا النوع من الأرحام يجب صلتهم وإن أساؤوا وقطعوا، وهذه الصلة مضبوطة بحسب عادة الناس وعرفهم، والرسول ﷺ قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها (رواه البخاري).
أما أقارب الزوجة، فنصيحتنا لك أن تحاولي معاملتهم بالحسنى، لأن ذلك يؤثر على علاقات أولادك بأسرتهم، فحاولي أن تربي أولادك على صلة الرحم، والود والوصل مع أهلهم وقراباتهم، وإن كنت أنت لا تؤدين نفس الدور بحكم أنهم ليسوا أرحاما لك، فجاهدي نفسك بقدر استطاعتك، وسددي وقاربي، وحاولي أن تتفهمي في حقوق الآخرين عليك ممن حولك، واستعيني بالله، فإن الله تعالى سيلهمك الصواب، ويعينك عليه.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.