السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أود في البداية أن نشكركم على إجابتكم على استشارتي السابقة المتعلقة بمشكلات بيئة العمل.
أحببت أن أستشيركم في أمر آخر، وهو الزواج، فأنا شاب تزوجت قبل خمس سنوات، ولكن تم الانفصال والطلاق بعد أقل من سنة من الزواج، بصراحة انعكس ذلك الطلاق علي، فمررت بحالة اكتئاب وحزن شديدين ولكني تماسكت.
وبعد سنة من طلاقي استأنفت البحث عن زوجة جديدة، و-الحمد لله- خطبت فتاة ذات دين وخلق عاليين، ويوجد تفاهم كبير بيني وبينها، ولكن ما زال هناك مخاوف ووساوس من قبلي جراء الزواج السابق، وأحاول أن أتحاشى وأبتعد عنها، ولكن ما زالت موجودة لدي، فما هي توجيهاتكم لي لتلافي هذه المخاوف والوساوس؟ علما بأني شاب ميسور الحال، وأمتلك شقة وسيارة، وليس علي ديون.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أخي الكريم- في موقع إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
نبارك لك خطبتك، ونسأل الله أن يجعل لك في ذلك الخير والسعادة، والحياة المطمئنة.
كن على يقين أن كل ما يدور في هذا الكون إنما يجري وفق قضاء الله وقدره، قال تعالى:﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾، وقال عليه الصلاة والسلام: قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، ولما خلق الله القلم قال له: (اكتب)، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، والكيس هو الفطنة.
ما حصل من طلاقك لزوجتك كان مقدرا عليك، فلا تبتئس ولا تحزن، ولعل في طلاقها خيرا لك ولها، قال تعالى: ﴿وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما﴾.
الرضا بقضاء الله وقدره يجعل النفس هادئة مطمئنة، ويجازي الله عبده على ذلك، ففي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله).
ما يمر به الإنسان من تجارب سيئة لا بد أن يترك بعض الآثار النفسية من خوف أو تردد أو وساوس، لكن الجميل أنك لم تستسلم لها، بل واصلت حياتك وأقدمت على خطوة جديدة، وهذا دليل على قوتك الداخلية.
إليك بعض التوجيهات العملية لتجاوز هذه المخاوف:
1. افصل بين التجربتين: الطلاق السابق تجربة مضت بحلوها ومرها، ولا علاقة لها بخطبتك الحالية، الفتاة التي ارتبطت بها الآن شخصية مختلفة، فلا تظلمها بأن تحملها تبعات الماضي، وصفاتها غير صفات الزوجة السابقة، خاصة وقد مدحتها في دينها وخلقها.
2. صلاة الاستخارة: نوصيك أن تصلي صلاة الاستخارة كما ورد في صحيح البخاري، عن جابر -رضي الله عنه-، وتدعو بالدعاء المأثور: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن زواجي بهذه الفتاة خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن زواجي بها شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به).
3. السؤال عن الفتاة وأهلها: لا بد من التأكد من أخلاقها وسلوكها عن طريق أمك وأخواتك بتأن واستفاضة؛ حتى تطمئن إلى أن صفاتها حقيقية يشهد لها من عاشرها، وكذلك السؤال عن أسرتها، فأخلاق الأم والأخوات – خاصة إن كن متزوجات – لها أثر ظاهر.
4. الاطمئنان بعد الاستخارة: إذا تيقنت من صلاحها، وصليت الاستخارة، فاستمر في الخطبة، ثم عقد الزواج، فإن تيسرت أمورك بسلاسة، فاعلم أن الله اختارها لك، وإن تعسرت فاعلم أن الله صرفك عنها، وفي ذلك الخير، واعلم أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.
5. كن متفائلا: التفاؤل خلق عظيم ومنهج رباني نبوي، لا تستجلب سلبيات الماضي، وركز على ما هو جميل في مخطوبتك من دين وخلق وتفاهم، فهذا أكبر ضمان لاستقرار الحياة الزوجية.
6. إدارة الوساوس: ذكر نفسك أن الخوف مجرد وساوس، وأنت قادر على إدارتها، لا تعطها أكبر من حجمها، بل اجعلها وسيلة للتعلم لا للإحباط، وأكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما راودتك تلك الخواطر، وقم من المكان الذي جاءتك فيه، وأشغل نفسك بعمل مفيد.
7. الإكثار من الدعاء: تضرع بين يدي الله تعالى في أوقات الإجابة وخاصة أثناء السجود، واسأله أن يختار لك الخير، ويجنبك الشر، وأن يجعل في زواجك السكينة والبركة.
8. تطوير مهاراتك الزوجية: اقرأ في فنون التعامل بين الزوجين، وتعلم إدارة الخلافات بالحوار والرفق؛ فهذا يمنحك ثقة أكبر.
9. المصارحة بينك وبين مخطوبتك: بين لها ما تحب وما تكره، واطلب منها أن تفعل بالمثل؛ حتى يسعى كل منكما لإرضاء الآخر، وتجنب ما يكرهه، مع السعي إلى التعديل بالحسنى ودون تعجل.
كونك ميسور الحال، وتمتلك شقة، وليس عليك ديون، فهذه نعمة كبيرة، فاطمئن من الناحية المادية، وركز على الجانب النفسي والإيماني والعاطفي.
نوصيك بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مع الإكثار من النوافل، وتلاوة القرآن الكريم، وصيام ما تيسر من الأيام الفاضلة، والمحافظة على أذكار اليوم والليلة.
نسأل الله تعالى لنا ولك السعادة والتوفيق، ونسعد بتواصلك في حال استجد أي جديد.