السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالبة أعيش في دولة غير مسلمة، وأحاول قدر الإمكان أن ألتزم بديني، وأرتدي الحجاب الشرعي، وكان حلمي أن أرتدي النقاب أيضا، لكن والدي يقف دائما في وجهي، ويمنعني تماما، ويقول: إن النقاب من (حركات) الطوائف الضالة، ويرفضه رفضا قاطعا.
في إحدى المرات تشاجر معي عندما علم أنني ذهبت لشراء ملابس شرعية، لدرجة أنه كسر الباب، وقطع إصبع زوجته -زوجة أبي-؛ وذلك بسبب محاولتها للدفاع عني.
والدي شخص قاس، لا يعرف كيف يظهر الحنان لي ولأخي، ودائما ما يحاول جرحنا بالكلام، وأنا أحاول قدر استطاعتي أن أسمع له وأبره، لكنه لا يهتم، ويستمر في إيذائنا بالكلمات، وقد وصلت إلى مرحلة أشعر فيها بضيق في التنفس، وألم في القلب؛ بسبب كثرة الكتمان، لأنني لا أستطيع أبدا أن أعاتبه أو أواجهه بما في داخلي.
وفي إحدى المرات قبل أن أتوب، كنت أتحدث مع بعض الشباب، فقام والدي بضربي ضربا مبرحا، حتى كدت أفقد سمعي بسبب ذلك، وهو دائما يردد أننا بلا قيمة، وأننا سبب تعبه في الحياة، وأحيانا يحاول أن يخرجنا لقضاء بعض الوقت، لكن الخروج ينقلب إلى توتر وقلق؛ لأنه بخيل جدا، فيفسد الموقف.
أنا أعلم أن الدعاء عليه حرام، وكثيرا ما أشعر برغبة في الدعاء عليه رغما عني، وأحاول أن أبر به، لكن في بعض الأحيان يرتفع صوتي عليه رغما عني بسبب الكتمان الذي في صدري، أنا أعلم أنني آثمة في ذلك، لكنني لا أعرف كيف أتصرف، وأحاول أن أصلي، فيقول لي: إن الناس هنا في الغربة لا ينبغي أن يطيلوا الصلاة، وحين أدعوه للصلاة، يرد ساخرا: سأدخل الجنة هكذا وهكذا! فماذا أفعل؟
والله هو يتعبني كثيرا، وأنا أحاول قدر ما أستطيع أن أبره، لكنني لا أفلح دائما.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختي الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول، وبالله تعالى التوفيق:
احرصي كل الحرص على بر والدك، وإن كان قاسيا، فالله تعالى أمر ببره والإحسان إليه فقال: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} أي: أحسنوا للوالدين إحسانا، وقال: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} أي: أحسن إليهما في أمور الدنيا، مثل: النفقة، والزيارة، وما يحتاجان إليه.
طاعة الوالدين ليست في كل شيء، وإنما هي بالمعروف فيما لو أمر بفعل أمر جائز أو مستحب، أو ترك شيء مما يجوز فعله وتركه، فتكون طاعته مقدمة لأنها واجبة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، وعليه، فلا طاعة للوالد إن أمر بالتبرج والسفور.
نوصيك بتقوية إيمانك من خلال أداء الصلوات الخمس في وقتها، مع المحافظة على صلاة النوافل، ولتكن صلاتك بعيدا عن نظر والدك، كأن تصلي في غرفتك الخاصة، وإن اعترض عليك فلا تردي عليه، ولا تكثري نصحه بخصوص صلاته، وإنما بين الحين والآخر مع تحري الأوقات المناسبة التي تظنين أنه يمكن أن يتقبل النصح.
نوصيك كذلك بصيام ما تيسر من الأيام الفاضلة، والإكثار من قراءة القرآن الكريم وسماعه، والمداومة على ذكر الله، فكل هذا يقوي الإيمان -بإذن الله-، والحجاب الشرعي واجب على المرأة المسلمة البالغة، فلا يجوز لك تركه؛ إرضاء لأحد.
بحسب استشارتك أنك تعيشين في بلد غير مسلم، فالنقاب قد يسبب لك مشاكل وأذى إذا كان القانون في البلد يمنع منه، وعليه فلو تركت النقاب فلا حرج عليك؛ لأنه من مسائل الخلاف بين العلماء، فبعضهم يراه فرضا، وبعضهم يراه سنة مؤكدة، فإن كان لبسه يؤدي إلى صدام شديد مع والدك، فالتزمي بالحجاب الكامل الساتر دون النقاب، حتى لا يحدث فتنة أكبر، والله يعلم نيتك، فإن تحولت بعد ذلك لبلد مسلم فانتقبي.
تعاملي مع والدك بالحسنى، وبري به، وقومي بخدمته خير قيام، وأدي الواجب عليك تجاهه، ولو كان قاسيا، ومن البر به أن تحسني التعامل معه برفق ولين، وتتحدثي معه بالكلمة الطيبة، وبصوت منخفض: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}، وتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحري أوقات الإجابة، وخاصة أثناء السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، وسلي الله تعالى أن يهدي والدك، وأن يبصره بعيوبه، وأن يرزقه الاستقامة على دين الله، وسلي لنفسك من خيري الدنيا والآخرة.
عليك بالصبر، فالصبر عاقبته طيبة، فإن جرحك والدك بشيء من الكلام، فليس ذلك مبررا لك لعصيانه أو رفع صوتك عليه، وابتعدي عن كل ما يثير غضب والدك، ولا تدخلي معه في نقاش عقيم ليس من ورائه فائدة، خاصة وأنك تعرفين توجهه وفهمه للأمور، وفكري مليا في كل كلمة تردين بها عليه، وقد يكون السكوت أحيانا مستحبا، وأحيانا واجبا خاصة مع الوالدين، ويمكنك الانسحاب بهدوء دون أي رد، فالمواجهة لها تبعاتها، والإساءة لا ترد بمثلها، ورفع الصوت لا يرد بمثله، وعليك إن ارتفع صوتك على والدك أن تبادري بالاعتذار منه، وأن تكثري من الاستغفار.
ما تشعرين به من الضيق هو نتيجة الكتمان والضغط النفسي، لذلك ننصحك بما يأتي:
1- أكثري من الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم كما صح في الأحاديث الصحيحة.
2- أفرغي مشاعرك بكتابتها في دفتر خاص، وأكثري من الدعاء أن يشرح الله لك صدرك، وكما سبق فالأعمال الصالحة من أسباب انشراح الصدر: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
3- مارسي رياضة خفيفة يوميا؛ لتفريغ التوتر.
4- أكثري من الذكر، خاصة: "حسبي الله ونعم الوكيل"، فهي تبعث الطمأنينة، وكذلك دعاء ذي النون: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، ودعاء الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم".
إحذري أن تدعي على والدك، فلعلك توافقين ساعة الإجابة فيستجاب لك، بل ادعي له بالهداية، فإن قلبه بين أصبعي من أصابع الرحمن، يقلبها كيفما يشاء، ومن أجمل الأدعية: "اللهم أصلح قلبي وقلبي والدي، واجعلنا من أهل طاعتك، وألف بيننا على ما تحب وترضى"، وحافظي على أذكار اليوم والليلة، ففيها تحصين من كل شر -بإذن الله تعالى-، ويمكنك الاستفادة من كتاب حصن المسلم للقحطاني.
نسأل الله تعالى أن يصلح والدك، وأن يلهمه الصواب، ويجعله عونا لك على طاعة الله، وأن يحسن تعامله معك، فهو على كل شيء قدير.