السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلما طلبت زوجتي إلى الفراش، تتحجج بأي عذر، وإن جاءت تأتي وهي مكرهة، وعند بدء العلاقة أشعر وكأنني أتعامل مع جسد بلا روح.
وبعد ذلك أراها تضحك وتتمازح مع أولادها ومع الآخرين، أما عندما تكون معي فلا أرى سوى النكد والمعاناة، هي دائما مريضة في وجودي فقط، أما في غيابي فتبدو سليمة وفي أفضل حال.
أفيدوني، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ م حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك إلى صالح القول والعمل.
ما تفعله في مثل هذه الحالات يحتاج إلى وقفة متأنية، تبتعد فيها عن استحضار حق الزوج فقط، وتتذكر أنك تتعامل مع إنسان له مشاعر واحتياجات، وكما أن لك حقا ثابتا أقره الشرع، وتوعد الزوجة إن أخلت به عمدا، فإن عليك واجبات لا ينبغي أن تغفل، وحتى تدرك موطن الخلل، وتتعامل معه بوعي، لا بد أن تنظر إلى الأمر بتوازن وتجرد.
أخي الكريم: اعلم -وفقك الله- أن العلاقة الزوجية علاقة تكاملية وتوافقية، قاعدتها السكن والمودة والرحمة، كما قال الله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ۚ إن في ذٰلك لآيات لقوم يتفكرون}.
ولكي تثمر هذه العلاقة ثمارها، فلا بد أن يعرف كل طرف حقوقه وواجباته، بما في ذلك ما يتعلق بعلاقة الفراش، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا بوضوح، لما يترتب على إهمال هذه العلاقة من مفاسد خطيرة قد تصل إلى الانحراف، فقال في الحديث الصحيح: "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور"، وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن الذي معها مثل الذي مع تلك".
فهذه الأحاديث تدل على أهمية علاقة الفراش، وضرورة إشباعها، لكن الفرق كبير بين أن تمارس كحل مؤقت، وبين أن تكون وسيلة لبناء الحب، وزيادة الألفة، وتعزيز المودة والرحمة والاستقرار الأسري، ليكون الزواج سكنا وسعادة حقيقية.
أخي الفاضل: مثل هذه المشكلات لا تنشأ عادة من موقف عابر، بل هي تراكمات نفسية ووجدانية تراكمت عبر الصمت وغياب الحوار، فأثمرت نفورا، وعدم انسجام، فالزواج ليس فراشا فحسب، وإنما منظومة متكاملة من الاحتياجات، تتمثل في: الأمان، الاحترام، التقدير، المودة، والرحمة، وعندما تلبى هذه الاحتياجات تتكون علاقة زوجية صحية مستقرة.
ولهذا ننصحك بعدة أمور:
أولا: التفريق بين العرض والسبب:
أسأل نفسك: هل هذا النفور عارض في أوقات معينة، أم صفة ملازمة؟ فقد يكون السبب:
- نفسيا: غضبا، إحباطا، شعورا بعدم التقدير.
- أو قد يكون عارضا صحيا جسديا: اضطرابات هرمونية، آلاما، وقلقا.
- أو قد يكون عارضا عاطفيا: غياب الكلمة الطيبة، قلة الاهتمام، وكثرة النقد.
- أو قد يكون بسبب عارض سلوكي: خشونة، أو جفاء في العلاقة، وعدم مراعاة مشاعرها ورغباتها.
ثانيا: الحوار الهادئ.
فالحوار الهادئ مهم جدا في حل مثل هذه المشكلات الزوجية، وحتى يثمر هذا الحوار بشكل إيجابي، اجعل النقاش في وقت صفاء وهدوء، بعيدا عن الغضب، وعن ما بعد وقت الرفض، وعبر عن مشاعرك بصدق ولطف، وتجنب لغة اللوم والاتهام.
ثالثا: التقارب خارج الفراش.
العلاقة لا تبدأ في غرفة النوم -كما يظن كثير من الأزواج-، بل تبنى طوال اليوم، هي في حقيقتها ثمرة لكلمة طيبة، ولمسة حب، وتقدير، وامتنان، كل هذا التراكم الإيجابي هو ما يفتح أبواب القبول في العلاقة الخاصة.
رابعا: مراعاة الجانب الصحي.
بما أنها كثيرا ما تعتذر بالتعب أو المرض، فمن الحكمة التحقق مما إذا كان هناك سبب صحي فعلي يستدعي متابعة طبية.
خامسا: إغلاق الملفات المتراكمة.
في كثير من البيوت توجد قضايا صغيرة مهملة، تتحول بمرور السنين إلى ملفات مرهقة، أخطرها ملف العلاقة الخاصة؛ لذلك الصراحة والحوار حولها ضرورة، وإلا خلفت آثارا سلبية عميقة، وانحرافات لا تحمد عقباها.
أخي الفاضل: اعلم أنك بحاجة للمبادرة والسعي في إصلاح ما يمكن من جانبك، وأن لا تنتظر مبادرة الطرف الآخر، وفي سبيل تحقيق ذلك نضع لك بعض الخطوات العملية لإصلاح هذه العلاقة، وهي كالتالي:
الخطوة الأولى: تهيئة جو إيجابي للحوار.
اختر وقتا مناسبا، وابدأ بحديث ودود، وامتنان عن حياتكما أو أولادكما لتفتح قلبها.
الخطوة الثانية: التعبير عن مشاعرك بصدق.
اغمرها بكلمات الحب والثناء، واشكرها على جهدها في البيت، ورعايتها للأبناء، ولا تنس الكلمة الطيبة، والهدية الصغيرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك".
الخطوة الثالثة: قدم لنفسك قبل العلاقة الزوجية.
اجعل الكلمة واللمسة والقبلة رسولا بينكما، كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى الديلمي في مسند الفردوس: "لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل: وما الرسول؟ قال: القبلة والكلام".
أخي الفاضل: العلاقة الزوجية غالبا هي علاقة تبادلية، فما تقدمه من حب وتقدير ستحصده، وما تزرعه من إهمال، أو قسوة ستجني أثره.
أما الحالات الخاصة التي تصل إلى النشوز: فقد وضح الشرع علاجها، فإن بادرت واجتهدت في إصلاح هذه العلاقة، وبذل كل ما تقدر في توفير أجواء التفاهم والاستقرار، ثم وجدت أن هذه الزوجة لم تتغير، هنا ينتقل العلاج إلى مراحل أخرى، مثل: الوعظ، والتذكير بحرمة الامتناع عن الفراش، كقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"، وقد يصل الأمر إلى الهجر في المضجع إذا كانت الحالة تستحق ذلك، ولا يكون هذا إلا آخر ما تلجأ إليه لتحافظ على استقرار حياتك الأسرية.
أخيرا: لا تنس الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يصلح لك زوجك وأهلك، فصلاح الأهل ثمرة لصلاح المرء، وعلاقته بربه، قال أحد السلف: "والله إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي"، فأصلح علاقتك بربك، وجدد التوبة، وأكثر الاستغفار، وحافظ على ما أمرك الله به، وستجد أثر ذلك في بيتك وحياتك الزوجية.
وفقك الله، ويسر أمرك.