السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحسن الله إليكم.
أنا طالبة تبقت لي آخر سنة دراسية، ومن ثم أنتقل إلى مرحلة الجامعة -إن شاء الله-، ولا أرغب في الانتقال إلى دولة أخرى، مع العلم أن أخي سيكون معي، ولكني لا أرغب في الابتعاد عن والدي ووالدتي، وهذا الموضوع يسبب لي ضيقا؛ لأنني لا أعلم ما الذي يجب علي فعله، وهل أنا على صواب في قرار عدم إكمال دراستي والجلوس معهما، أم من المفترض أن أكمل دراستي، وأبتعد عنهما؟
أيضا كلما قرأت عن الجامعات تزداد حيرتي حيال الموضوع، هل الالتحاق بجامعة مختلطة جائز أم لا؟ وأخاف أن ألتحق بجامعة مختلطة، ويذهب حيائي، وأصبح أقل تدينا، وأتخلى عن نقابي، فماذا أفعل؟
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
كما نسأله سبحانه أن يشرح صدرك، ويهديك للقرار الذي فيه صلاح دينك ودنياك.
بداية: اعلمي أن حرصك على بر والديك، وخوفك على دينك نعمة عظيمة، ودليل على قلب حي عامر بالخير، وهذه المشاعر في ذاتها بشارة لك، فلا تجعلي القلق يحجب عنك ثقتك برحمة الله وتوفيقه، فكوني وثيقة الصلة بالله تعالى، دائمة اللجوء إليه في كل وقت.
أما ما يخص التعارض بين الدراسة والبقاء مع الوالدين: فبر الوالدين لا يتعارض مع إكمال الدراسة، بل الوالدان يسعدان حين يريان ابنتهما ناجحة ومتعلمة، وتستثمر قدراتها، وتخدم دينها وأهلها، ما لم يكونا في حالة تستلزم العناية بهما، ورعايتهما، كمرض، وضعف، ونحوه.
لذلك يمكنك الجمع بين الأمرين، من خلال متابعة التعليم مع بقاء صلة قوية بالوالدين، بالزيارة المستمرة، أو التواصل اليومي، فلا يعني السفر، أو البعد انقطاع البر.
أما بخصوص الدراسة في الخارج:
فاعلمي –وفقك الله– أنه إذا وجد خيار للدراسة داخل بلدك، وقريبا من أهلك، وفي جامعة غير مختلطة فهذا أولى؛ لتطمئني بالقرب من والديك.
أما إذا لم يتوفر ذلك، فيبقى السفر للخارج جائزا بضوابط ذكرها الفقهاء، منها: أن يرافقك محرم -وقد ذكرت أن أخاك سيكون معك وهذا جيد-، كذلك أن يكون العلم الذي تطلبينه غير متاح في بلدك، وأن تكوني قادرة على الحفاظ على دينك، وحيائك في البيئة الجديدة، وكذلك أن تكون الإقامة مؤقتة بغرض الدراسة، لا استقرارا طويلا بدون ضرورة.
ما يتعلق بالاختلاط في الجامعات فلا شك أنه شر بليت به الأمة، وعلى المسلم أن يتقي الله ما استطاع لذلك سبيلا، فلا يلجأ للاختلاط إلا مع انعدام غيره، وعليه، فالدراسة في جامعة مختلطة جائزة بشروط بينها الفقهاء: الالتزام بالحجاب الشرعي، غض للبصر، الحرص على تجنب الاختلاط قدر المستطاع، وتجنب الحديث غير الضروري.
واعلمي –وفقك الله– أن حياءك ودينك لا يزولان إلا إذا تخليت عنهما بتفريط أو تقصير منك، قال تعالى: (كل امرئ بما كسب رهين)، وأنت قادرة على الثبات -بإذن الله- عند الاجتهاد بأسباب الالتزام، والاستقامة، والحرص عليها، كالصحبة الصالحة، والمداومة على الصلاة والذكر، واستحضار نية طلب العلم؛ ليكون عبادة لله. ومع ذلك إن وجدت أن الاختلاط يضعف دينك رغم محاولتك، فسلامة دينك مقدمة على كل شيء، ويمكنك البحث عن بدائل كجامعات إلكترونية، أو معاهد، أو تخصصات عن بعد، أو أي دراسة لا تكون سببا في ضعف دينك.
وحتى نساعدك في اتخاذ القرار المناسب، ننصحك بمجموعة نصائح تعينك على ذلك:
أولا: اجلسي مع والديك، وتناقشي معهما بصراحة عن مخاوفك ورغباتك؛ فقد يقدمان لك نصائح تساعدك كثيرا على تجاوز هذا القلق.
ثانيا: رتبي قائمة بالجامعات والمعاهد داخل بلدك أولا، ثم الأقرب، ثم خيار السفر حسب الخيارات الممكنة بشكل متدرج -الخيارات التي ترغبين فيها، ثم الأقل، ثم الأقل-، واستعيني بمن لديه تجربة وخبرة في هذه الجامعات.
ثالثا: قارني بين هذه الخيارات من حيث التخصص، والبيئة التي تعينك على الخير، والمسافة عن والديك، وغير ذلك.
رابعا: استشيري طالبات ملتزمات خضن التجربة قبلك، فالتجربة الواقعية تعطي أقوى الانطباعات.
خامسا: لا تنسي الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يهدي قلبك، وبادري إلى صلاة الاستخارة، واسألي الله أن يختار لك الخير.
أخيرا: لا تجعلي الخوف يمنعك من العلم، ولا يدفعك لقرار متسرع، فكري بتأن قبل اتخاذ القرار؛ فالحياة الجامعية يمكن أن تكون ميدانا يساعدك في بناء شخصيتك، وعلمك، ودينك إذا دخلت بنية صالحة، واستعداد واع، وتذكري دائما أن الله إذا علم صدق نيتك وسعيك في الحفاظ على نفسك، واجتهادك في بذل كل أسباب الاستقامة، والحرص عليها، حفظك الله، وفتح لك الأبواب التي تجمع بين بر والديك، وصيانة دينك، وبناء مستقبلك.
وفقك الله.