السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم على كل ما تقدمونه، جعله الله في ميزان حسناتكم.
أعاني من الوسواس القهري منذ حوالي خمس سنوات أو ربما أكثر، وقد تسبب لي في مشاكل عديدة، وفشل في حياتي المهنية والاجتماعية، والمشكلة أنني لم أكن أعلم الكثير عن هذا المرض، وكنت أتعامل معه دون وعي، ولم أتناول أي علاج له من قبل.
الوسواس تطور بشكل مخيف، وأصبح الآن في مرحلة متقدمة جدا، ففي البداية، كان وسواسا بسيطا في أمور متعددة، ولم يكن يؤثر علي بشكل كبير، لكن منذ سنة أو سنة ونصف، أخذ منحى مختلفا، وبدأت أمارس سلوكيات غير منطقية، مثل غسل يدي بالصابون باستمرار، وقد أغسلها في المرة الواحدة خمس مرات متتالية.
أيضا الاغتسال أو الاستحمام قد يستغرق ساعة أو حتى ساعتين، لدي قناعة – وهي وهم وغير صحيحة – بأن جميع الأشياء والأغراض في المنزل غير نظيفة، فأظل أغسلها بالماء والصابون.
الأمر أصبح مرهقا جدا، ولم أعد أستطيع التحمل، أشعر وكأنني في متاهة أو دوامة أو دائرة مغلقة لا أستطيع الخروج منها، فأرجو منكم مساعدتي في معرفة دواء فعال يمكن أن يخفف أو يقضي على هذه الأعراض.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب.
بالفعل -يا أخي- هذه وساوس؛ وساوس الخوف من الأوساخ وكثرة الغسل والتردد، وهذه وساوس معروفة، وأنت كما تفضلت قبلتها بعض الشيء، وحاولت أن تتعايش معها، حيث إنها استحوذت وفرضت ذاتها.
المبدأ -يا أخي الكريم- هو ألا يتعايش الإنسان مع الوساوس أبدا، بل يجب أن يرفضها، وأن يحقرها، وأن يصرف انتباهه عنها، أنا أعرف أنك حين تبدأ في مقاومتها سوف تصاب بقلق، وهذا القلق يجعلك ترجع وتستجيب للوسواس، لا؛ حين تصاب بالقلق يجب أن تصمد، وهذه ظاهرة ممتازة جدا.
مثلا: قاومت الوسواس ولم تتبعه وارتفع لديك القلق، هنا لا تنكسر، لا تستجب، لا ترجع للوسواس أبدا، لا ترضه كما نقول، وبعد فترة -عشر دقائق مثلا- سوف يبدأ القلق في الانخفاض، وهنا يجب أن تشعر بالمردود الإيجابي: أنك قد انتصرت على هذا الفعل السخيف.
أنت بالفعل محتاج لعلاج دوائي، وهناك أدوية فاعلة جدا، ونحن دائما نحاول أن نختار الدواء الجيد والدواء السليم، وهناك مجموعة من الأدوية نسميها أدوية الخط الأول، ثم هناك أدوية الخط الثاني، وأدوية الخط الثالث.
نحن على مستوى إسلام ويب نكتفي بأدوية الخط الأول؛ لأننا نعتقد أن أدوية الخط الثاني أو الثالث يجب أن يكون فيها الإنسان تحت إشراف طبي مباشر من قبل طبيب نفسي مقتدر، وله خبرة في علاج الوساوس.
أفضل دواء بالنسبة لك هو عقار (فلوكسيتين - Fluoxetine) وهو دواء مشهور ومعروف، واسمه التجاري المشهور (بروزاك - Prozac)، وفي مصر يوجد منتج محلي ممتاز يسمى (فلوزاك - Flozac)، وتوجد أيضا منتجات أخرى.
ابدأ في تناول الدواء بجرعة 20 ملغ -أي كبسولة واحدة- يوميا لمدة عشرة أيام، وبعد ذلك اجعلها كبسولتين يوميا لمدة شهر، ثم اجعلها ثلاث كبسولات يوميا -أي 60 ملغ-، وهذه هي الجرعات العلاجية، والتي يجب أن تستمر عليها على الأقل لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك تخفضها إلى كبسولتين يوميا لمدة أربعة أشهر أخرى، ثم تجعلها كبسولة واحدة كجرعة وقائية، تتناولها يوميا لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الدواء إلى كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناوله.
عقار فلوكستين بالرغم أنه رائع، لكن يجب أن يدعم بدواء آخر يسمى (ريسبيريدون - Risperidone) تتناوله بجرعة 1 ملغ ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عن تناوله.
يتميز الفلوكستين وكذلك الريسبيريدون بأنها أدوية سليمة، والفلوكستين لا يزيد الوزن، ولا يزيد أبدا الكسل أو النعاس؛ لذا ننصح بتناوله نهارا، أما الريسبيريدون فيفضل تناوله ليلا.
الفلوكستين له عرض جانبي واحد، وهو أنه قد يؤخر القذف المنوي عند الجماع، نعم، لكنه لا يؤثر أبدا على الحياة أو الصحة الذكورية أو الإنجابية عند الرجل.
وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكننا نعتقد أنه الدواء الأفضل، والأنقى، وسهل الاستعمال، وقليل الآثار الجانبية.
إذا هذا فيما يتعلق بالدواء، أما فيما يتعلق بالعلاجات السلوكية، فهنالك علاجات سلوكية عامة، وأهمها: أن تحسن إدارة وقتك، وأن تتجنب الفراغ الزمني والذهني؛ لأن الوساوس تتصيد الناس من خلال الفراغ.
الأمر الآخر: أن تمارس تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة، وهي موجودة على اليوتيوب، ومن أفضل التمارين التي تساعد الإنسان في تقليل القلق والتوتر المصاحب للوساوس، وبعد ذلك تبدأ في تطبيق بعض التمارين السلوكية العملية:
أولا: يجب أن تحدد كمية الماء، لا تتوضأ، ولا تستنج، ولا تستبرئ، ولا تغتسل، ولا تقم بالاستحمام من ماء الصنبور؛ إذا: تحدد كمية الماء.
ثانيا: بالنسبة للاستحمام، ضع الماء في إناء كما كنا نفعل في الزمن السابق (في القرى)، واستحم به أو اغتسل به، هذا علاج ممتاز جدا، وتحدد الزمن.
ثالثا: بالنسبة للوضوء، فأريدك أن تضع الماء في إبريق، والرسول ﷺ -وهو قدوتنا- كان يتوضأ بمد من الماء، والمد يساوي لترا إلا ربع اللتر، يمكنك أن تضع لترا إلا ربعا أو حتى لترا من الماء في الإبريق، ثم تفتح كاميرا الهاتف أمامك لتسجل خطوات وضوئك، وبعد النية تقوم بغسل يديك ثلاث مرات وبسرعة، وتحتم على نفسك قائلا داخليا: "الآن أنا قمت بغسل يدي"، ثم تنتقل بعد ذلك للمضمضة ثم للاستنشاق، ثم الاستنثار، ثم غسل الوجه، وهكذا، وفي كل مرة تؤكد على نفسك، ويجب ألا تزيد مدة الوضوء عن ثلاث دقائق.
بعد الانتهاء من الوضوء، افتح الفيديو وراجع وضوءك، وسوف تجد أن وضوءك صحيح، واذهب إلى صلاتك مباشرة دون أي منازعات وسواسية، وطبق هذا التمرين عدة مرات، وهو تمرين رائع وناجح وفعال جدا.
إذا: خطة العلاج واضحة، تقوم على: تحقير الوساوس، ورفضها، وعدم محاورتها، وتطبيق ما هو مخالف لها، مع عدم الاستجابة السلبية، مع تناول الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.