السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قبل أيام كنت جالسة مع أمي وإخوتي، فتحدثت أمي عن شخص مشهور اجتماعيا، وقالت إنه خائن، وتكلمت عنه بسوء.
حاول أخي وأختي الدفاع عنه، وردا على أمي بأن لا تسيء إليه، ولا تضع أحدا في ذمتها، فقلت: إن فلانا أخبرنا عنه بأنه يسرق التبرعات، فقال إخوتي: ربما لا تكون المعلومة التي أخبرك بها صحيحة.
وبعد أيام، توفي ذلك الشخص، ويبدو أنه كان رجلا صالحا، فلامني أخواي، وقالا إنني ظلمته، وإنه سيأخذ من حسناتي يوم القيامة، أرعبني ذلك، ولا أعرف ماذا أفعل.
هذا الشخص في بلد آخر، ويستحيل أن أصل إليه لأتحلل منه، كما أنه قد توفي الآن، أخشى أنني ارتكبت ذنبا عظيما بنقل اتهام عن شخص صالح.
أحيانا أقول لنفسي: أنا فقط نقلت الكلام، وأخبرتهم أن فلانا قال عنه كذا وكذا، لكنني أشعر أن هذا خطأ، وأنني كنت مؤيدة لما قيل.
ماذا أفعل؟ كيف أتوب؟ وكيف أكفر عن ذنبي؟ لقد مات الشخص، ولا أستطيع التحلل منه، فما الحل؟ أنا خائفة، ولا أستطيع التوقف عن التفكير، فهذه من حقوق العباد التي لا تغفر إلا بالتحلل!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تسنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولا: لا شك ولا ريب أن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره، والأعظم منها البهتان، وهو ذكرك أخاك بما يكره وليس فيه، كما في الحديث:(ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكون فيه، فقد بهته) رواه مسلم.
والغيبة محرمة بالكتاب، والسنة، والإجماع، وقد شبهها الله تعالى بأكل لحم الإنسان ميتا: فقال تعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) الحجرات:22.
ثانيا: لا يجوز اتهام أحد بالسرقة إلا ببينة، أو عند قيام قرائن قوية على ذلك، وإلا فإنها مظلمة تحتاج إلى تحلل منها.
والأصل وجوب التحلل من هذه المظلمة؛ لأن إتهام الإنسان بالسرقة قدح في عرضه، وشين لسمعته، وما دام ضميرك أنبك وتخافين يوم التلاق، فالحل هو التوبة إلى الله تعالى توبة نصوحا، والتوبة النصوح هي ما تضمنت الآتي، الإقلاع عن المعصية، والندم على ما فات، أو الندم عليها، والعزم أن لا يعود إليها، والندم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(الندم توبة)، أخرجه أحمد.
وأما التحلل منه وقد مات، فإضافة إلى ما ذكرته من الأمور الثلاثة السابقة التي يطلق عليها العلماء شروط التوبة، فيكون رابعها هو التحلل من الذنب، وفي مسألتك الحل هو إشاعة براءته مما نسب إليه من السرقة، ومن كونه يأكل مال التبرعات، ولو حتى أن الخبر ليس منك، وإنما نقلت ذلك، فهذا النقل مشاركة في اتهامه بذلك، فأثني عليه خيرا، وأبرئيه عند من تكلمت عليه في محضرهم مثل: والدتك وأخيك وأختك، مع الاستغفار له رحمه الله، فذلك -إن شاء الله- يكون كفارة لك؛ لأنه هو المستطاع في حقك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وتوقفي عن الخوف الشديد حتى لا يصل بك ذلك إلى المرض النفسي، فالله أرحم الراحمين، وقد أخذت بأسباب وشروط التوبة، ويكفي ندمك الذي يدل على أصالة الخير فيك، ولا داعي للقلق الكثير، فأنت إنما وثقت بغيرك، ونقلت كلاما قد قيل، وتبت وندمت، فأحسني الظن بالله تعالى.
ثالثا: يجب علينا إحسان الظن بأهل الخير والصلاح ممن يهتمون بالعمل الخيري، ويحضون إخوانهم المسلمين على الإحسان إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين، كما ويجب التحري في قبول ونقل الأخبار، كما قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الحجرات: 6.
والله الموفق.